الفلسطيني والمصري

يقول الاديب العالمي، اللبناني الفرنسي، أمين معلوف في كتابه المميز «الهويات القاتلة»، انه كلما انطبع الضيف بثقافة مجتمع البلد المضيف استطاع أن يطبع ذلك المجتمع بثقافته، وكلما احترم المهاجر ثقافته الأصلية، انفتح على ثقافة البلد المضيف.
***
وصل عدد المقيمين الفلسطينيين أوجه في المرحلة السابقة للغزو والاحتلال الصدامي الحقير، حيث تجاوز الـ400 ألف بكثير، ولم يمثلوا أكبر جالية فقط، بل قارب عددهم ثلثي عدد الكويتيين أنفسهم.
غامر الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، أثناء محنة الغزو والاحتلال، ووضع ثقته وثقله وراء الدكتاتور المجرم صدام حسين، ودفع هو والشعب الفلسطيني تالياً ثمناً غالياً لموقفه، بالرغم من وقوف عدد كبير من الفلسطينيين مع الحق الكويتي.
من جانب آخر، وقف الرئيس المصري السابق حسني مبارك مع الحق الكويتي، معارضاً أصواتاً كثيرة في مصر، من فنانين ومثقفين وغيرهم، تطالبه بالوقوف مع صدام.. وشكرت الكويت له موقفه تالياً، واستفاد الشعب المصري بأكمله من موقف رئيسهم، بمن فيهم من عارضوا تحرير الكويت، فهذا قدر الشعوب في العالم أجمع وعبر التاريخ، فهي التي تدفع الثمن أو تستفيد من مواقف وقرارات قياداتها، وتجارب شعوب كثيرة ماثلة أمامنا.
من آثار الغزو الصدامي الحقير خلال شهور الاحتلال الدامية، اضطرار غالبية المواطنين والمقيمين للهرب من بطش القوات البعثية، ومن بين من خرجوا 400 ألف فلسطيني، وكل هؤلاء لم تسمح لهم حكومتنا، بعد التحرير، بالعودة للكويت وبالتالي تناقص عدد الفلسطينيين لما يقارب الـ25 ألفاً تقريبا بعد التحرير، وكانوا في غالبيتهم من الذين بقوا، ولم يغادروا الكويت خلال شهور الاحتلال السبعة.
تبين بعد التحرير الفراغ الكبير الذي تركه الفلسطينيون وراءهم خاصة في التعليم ومقاولات التشييد، وعشرات المهن المهمة الأخرى، كالمحاسبين والمصرفيين، وفي قطاع الصناعات النفطية والكيميائية وغيرها من صناعات وأعمال، التي هيمنوا على بعضها بشكل كامل، ومع الوقت أصبح المصريون يقومون تقريباً بكل ما كان يقوم به الفلسطينيون قبل الغزو، وأكثر، بحيث أصبح من شبه الاستحالة الحصول على صاحب خبرة، أو من دونها، خارج نطاق هذه الجالية.
ولعدم تكرار خطأ الاعتماد على عنصر بشري واحد، مع كل الاحترام للإخوة المصريين، فإنه من المهم إعادة النظر في الوضع الديموغرافي وتعديله بحيث تتوافر للمواطن وللمقيم، صاحب العمل خيارات أوسع وأكبر، وربما أفضل، وهذا يمكن أن يتحقق من خلال السماح للفلسطينيين مثلاً، وخاصة الذين لا تتجاوز أعمارهم الأربعين، ولم يتخذوا اي موقف من غزو واحتلال الكويت، بالقدوم ثانية والعمل معنا، مع تسهيل دخول فئات أخرى، كاللبنانيين والأردنيين وغيرهم، أما بقاء الوضع على ما هو عليه، واستفحاله، فهو ليس في مصلحة أمن الوطن والمواطن.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top