أنا الدبلوماسي

ربما تكون صدفة في أن لدي عدداً جميلاً وكبيراً نسبياً من الدبلوماسيين المتقاعدين.. أو ربما هذا ما يبدو لي. خدم أغلبية هؤلاء وطنهم بتفان، وكانوا خير حماة له في الأوقات العصيبة، وجميعهم قاسوا من الغربة، ولم تسنح أو تتح لهم الفرصة لتحقيق ثروة ما أثناء الطفرات المالية التي مرت بها الكويت في السنوات الأربعين الماضية، والتي كانت في متناول «الدبلوماسيين» الذين بقوا في الوطن. كما فات البعض منهم حتى فكرة تملك بيت أو الادخار لشرائه… وكانت الأيام والسنون تمر عليهم وهم في غربتهم من دون اكتراث لما يخبئه المستقبل لهم. وعندما حان وقت التقاعد وجدوا أن أموراً كثيرة تغيرت، وكيف أصبح «الحفاي» من أصحاب الملايين، ومن كان نكرة أصبح يشار إليه «سياسياً واجتماعياً» بالبنان، وأحياناً بكامل أصابع اليدين. استعادت ذاكرتي عدداً كبيراً من هؤلاء الدبلوماسيين الذين عانوا نوعاً أو آخر من سوء الطالع وأنا أقرأ «السجع» التالي، الذي تصرفت به قليلاً جداً، ولا يعني أن ما في سطوره من بعض القسوة ينطبق بالضرورة عليهم جميعاً، بل هو يعطي فقط صورة عن معاناة الدبلوماسي، الذي يكون غالباً مصدر حسد البعض من دون أن يدرك هذا البعض معاناة هؤلاء، وربما من كتب النص كان أحد من عانوا.

***

الدبلوماسي رجل مشتت عائلياً… منسي محليا مشكوك فيه دوليا، يظنه الناس غنيا.. والحقيقة أنه «وحدانيا»، وتعب نفسيا وكذلك جسديا، يتعامل مع الأقربين إلكترونيا.. ويُسرَق منه عمره يوميا.. إنه يبعث الأمل في نفسه ذاتيا، لا يسافر إلى عائلته إلا سنويا، ويعيش الأعياد هاتفيا.. ويشارك في الأفراح والأحزان تلغرافيا. خلق لنفسه عالما افتراضيا، فيه يبتسم ويضحك ويعبس ويحزن تمثيليا. وباختصار شديد حياته عبارة عن حقيبة وجواز سفر وتذكرة طائرة أبدية. يفترض أن لا رأي له سياسيا، وعليه اتباع النزاهة حرفيا، والتجرد مهنيا. ولكنه يظل شارد عقليا، ووجدانه «مفتت» لا نهائيا. ومشاكله لا يشعر بها الآخرون وترتبط به حصريا، وهو عاشق لتراب وطنه اختياريا، ومثقف «رأسياً وأفقياً»، ويراعي دائما تاريخ وطنه ويستلهمه وجدانيا. هو حريص على مصالح دولته، وبالتالي يؤجل مصالحه الخاصة تلقائيا، وهو رحال في بلاد الله متوكل ولنصيبه وقدره راض ولأمانته ومسؤولياته حافظ. لا يسأل اجرا ودائما شاكرا غير ناكر، يرد بالحسنى ويقبل النقد راضيا، واختار ان يكون حامدا متساميا. وفي النهاية… لا عزاء لكل من كان دبلوماسيا!

أحمد الصراف 



الارشيف

Back to Top