يوسف شيرين وبيت السدو

ورد في بحث للأكاديمي محمد إبراهيم الحبيب أن أول من أسس فندقاً في الكويت، وربما في الخليج، هو المرحوم يوسف بهبهاني، المعروف بيوسف شيرين، وشيرين تعني بالفارسية «حلو المذاق»، وكانت من صفات المرحوم بهبهاني حلو الحديث والمعشر. وكان الفندق يقع في الصفاة، وبني عام 1947، وما زلت أتذكر موقعه ومدخله، فلم يكن يبعد كثيراً عن محل والدي. ورد ذكر المرحوم يوسف شيرين كثيراً في الوثائق البريطانية، وعن مغامراته التجارية، وما الذي تاجر به، وكان في حينها غريبا بالفعل، السجائر والمكسرات والفواكه المجففة، وكان يستوردها من إيران، ويستورد السكر من الصين، وكان ذلك في العشرينات من القرن الماضي، أي قبل مئة عام تقريباً. كان يتعامل في جلب الأسلحة للكويت لحسابه وحساب الحاكم، وكان عمله يخالف ما كانت تطالب به بريطانيا التي كانت تشك في تحركاته، بالرغم من أنه كان يميل لهم. كما عمل على نقل جثث موتى الشيعة إلى النجف وكربلاء لدفنها هناك مقابل مبالغ زهيدة، وغالباً ابتغاء الأجر، ولم يكن ذلك أمراً مشروعاً في حينه، ولكنه كان يتمتع برضا الحاكم وحمايته. كما ساهم في حملات حج كثيرة في تلك الأيام الصعبة بسبب وعورة الطريق وبعد المسافة وشبه انعدام الأمن وتخلف وسائل المواصلات، وكانت عملية النقل مكلفة للحجاج ومربحة لمن يعمل بها، فالتكلفة كانت بين 2000 و5000 روبية (150 إلى 500 دينار) للفرد، حسب الدرجة، ولكن توسعه فيها عرضه لخسائر كبيرة في أواخر حياته. يقع متحف «بيت السدو» على شارع الخليج العربي، وكان في السابق بيتاً ليوسف شيرين، وفيه ولد عدد من أحفاده، وسبق أن بنى هذا البيت المرحوم يوسف المرزوق عام 1929، وكان أول بيت يستخدم الكونكريت في بنائه، وبني تحت إشراف معماري هندي، واشتراه منه يوسف شيرين عام 1938، وأجرى عليه بعض التطوير، ثم استملكته الدولة منه عام 1979، وخصص كمتحف للسدو. وبعكس بقية بيوت ودواوين الكويت القديمة التي كانت تقع على البحر، فإن اسم «يوسف بهبهاني» لم يدون عليه، تخليداً لذكراه، ولا أعرف السبب! ولد مراد، الابن الثاني ليوسف شيرين، عام 1918، وتوفي عن 87 عاماً، وكان أكثر أبنائه نجاحاً في تجارته، وعلى علاقة وثيقة مع الأمير الراحل جابر الأحمد. اشتهر المرحوم مراد باستيراد أجهزة الراديو، وأول شحنة كانت من سويسرا وعددها مئة جهاز عام 1943، أي قبل أن أولد بعامين. كما قام بتأسيس محطة شيرين الإذاعية الخاصة التي كانت تبث الموسيقى. وكان المرحوم من أوائل الكويتيين الذين وصلوا إلى أميركا، ومنها جلب أجهزة التكييف، وأصبح تالياً وكيلاً لأجهزة «كارير»، ولا تزال الوكالة لدى أسرته منذ 80 عاماً. كما كان أول من أدخل تجارة الساعات الفاخرة للكويت، وافتتح أول محطة تلفزيون التي أصبحت بعدها نواة لتلفزيون الكويت، وحصل على وكالة فولكسفاغن ووكالة مركبات أخرى. كما كان أول من أدخل الطباعة المتقدمة للكويت، وشارك في تأسيس البنك الأهلي الكويتي، وتولى رئاسته لفترة طويلة. هذه شخصيات فذة، ضمن محيطها، وكانت لها بصمات واضحة، ومع هذا تم تجاهلها، سهواً أو عمداً، بالرغم من منجزات ونظافة سيرتهم. فقد كان تاجراً شريفاً في تعامله، ولم نسمع عنه، ونحن معه في عالم المصارف، أنه تصرف يوماً بغير ما تتطلب الأصول منه، ومع هذا فقد أطلق اسمه على شارع لا يزيد طوله على 400 متر في مشرف، وهذا أمر معيب بالفعل. فبالرغم من موافقة ورثته على ذلك، فإن ذكرى المرحوم وسيرته كانتا أكبر بكثير من ذلك العرض المخجل، خاصة في ضوء ما أصبحنا نراه من إطلاق أسماء من لا سيرة ولا تاريخ لهم، مقارنة به، على شوارع طويلة وعريضة. كما لا أتذكر أني مررت يوماً بشارع «عليه القيمة» يحمل اسم المرحوم والده، فهل هذه صدفة أخرى؟

أحمد الصراف



الارشيف

Back to Top