لماذا لا تكونون كالحاج حسن؟

توفي قبل ثلاثة أيام {الحاج}، كما كان يعرف، عن 88 عاماً.

عرفته عن كثب لأكثر من 45 عاماً، فلم أجد فيه خصلة تنفرني منه، بالرغم من كل تدينه، فقد عاش الحاج 80 عاماً على الأقل من عمره وهو يؤدي كل فروضه الدينية باعتدال وصمت، من دون أن يحمّل غيره عبء أدائه لها، كما يفعل من يصر على ضرب وسجن من يأكل أمامه، وهو صائم. عاش عمره وهو يؤدي الخير وكان أكثر فهماً وإدراكاً وعلماً من حملة شهادات الدكتوراه، بالرغم من أنه بقي حتى آخر أيام عمره «ابن الضيعة»، ولم يدخل جامعة أو معهداً عالياً. كان الحاج ينفر من رجال الدين، ولم يقربهم منه، بالرغم من انجذابهم له، إما لكرمه وثرائه النسبي، أو لمكانته السياسية في مرحلة ما قبل انهيار الدولة اللبنانية الحديثة. وعندما وقعت الثورة الإيرانية، كنت وإياه من المبتهجين بها، لأنها قضت على نظام الشاه الفاسد والظالم، ولكن ما ان انقلب الخميني على رفاق دربه، وترك الديموقراطية وراءه، وحكم بنظرية ولاية الفقية، وأصر على تصدير الثورة، حتى شعرنا بالتوجس، وتالياً بالخوف من تبعات قراراته، وتنبأ الحاج في مرحلة مبكرة بأن خراب لبنان سيكون على يد النظام الجديد، فتربته السياسية والطائفة جاهزة لم يود العبث بها.. وهذا ما حصل تالياً! كنت وإياه على طرفي نقيض في الكثير من أفكارنا، وكنا نتناقش في عدة أمور، وكان غالباً ما يقتنع بما كنا نصل إليه من نتائج. وبالرغم من طول علاقتنا التي قاربت نصف قرن، فإنني لم أشعر يوماً بأنه ثقيل دم أو منافق أو مجامل بغير داع. سافرت معه ولم أجد منه إلا كل خير وكرم. لم يأت يوماً على سيرة شخص عادي بالسوء أو الذم، ولكنه كان قليل الاحترام لساسة وطنه، ولم يكن يرتاد مجالسهم، ونادراً ما كان يشارك في انتخابهم. الحاج حسن فواز كان مسلماً مكياً بمعنى الكلمة، يحب المسيحي ويحترم ما قدمه اليهود للبشرية من خير، وكان ضد قيام إسرائيل، الذي كان أسيراً يوماً ما في سجونها. كان ملتزماً، لا بل شديد الالتزام، ولكن ذلك لم يمنعه من أن يكون مرناً ولبنانياً حتى النخاع، ينتمي لوطن فيه أكثر من ثماني عشرة طائفة رسمية، غير الفراطة، وكان يدرك أن عليه التعايش مع هذا الفسيفساء الديني من دون تعصب. كان شيعياً ملتزماً محباً لأهل البيت، ومع هذا أصر على أن يكون مختلفاً في محبته، بصدق، وأن يكون للكل. ورفض قبل وفاته أن يقام عزاؤه في مكان عام، بل أن يقام في بيته، وأن يدفن في اليوم نفسه الذي توفي فيه، إن كان الوقت نهاراً، وكل هذه أمور تحتاج إلى شخصية خاصة لكي يؤمن بها ويفرضها على منفذي وصاياه. توفي عديلي الحاج حسن فواز تاركاً بالفعل فراغاً يصعب ملؤه، وهو الذي دفعني عشرات المرات إلى التساؤل: لماذا لا يكون المسلمون على شاكلته وبمثل تسامحه وأخلاقه؟ من المفترض أنه ليس لدي جواب.. صالح للنشر.

أحمد الصراف. 



الارشيف

Back to Top