الكويتي ومستر هايد

تعتبر رواية «د.جيكل ومستر هايد dr. jekyll and mr. hyde»، التي كتبها روبرت ستيفنسون عام 1941، والتي تحوّلت في نفس السنة الى فيلم رعب شهير، من كلاسيكيات الأدب الإنكليزي. نشأ الدكتور جيكل في أسرة ثرية ومحترمة، وكان يعتقد أن بداخل كل إنسان شخصيتين؛ شريرة وطيبة، ولتأكيد نظريته توصّل الى عقار، يمكنه تغيير ملامح وشكل من يتناوله، بل ويصبح شريرا، ويقوم بارتكاب الجرائم ليلا، ثم يعود الى البيت ليتناول العقار، ويعود الى شخصيته الطيبة السابقة. تذكرت شخصية د.جيكل وإسقاطاتها على أخلاق وتصرّفات غالبية المواطنين الخليجيين، والكويتيين بالذات، عند مقارنة ما يقومون به في أوطانهم وما يصبحون عليه عند سفرهم للخارج، خاصة للدول الغربية. فما إن تطأ قدم هؤلاء أرض الغرب حتى نجدهم يتقمّصون شخصية د.جيكل، ويشرعون من فورهم باحترام قوانين البلاد التي سافروا اليها، ويتكلمون بصوت منخفض ويكثرون من كلمات التهذيب؛ مثل: «لو تفضلت»، أو «لو سمحت»، و«شكراً». وتراهم يتناولون طعامهم بهدوء ويطلبون من أبنائهم عدم إحداث ضجة على متن القطارات أو الطائرات (إلا إذا كانت الطائرة كويتية). كما يلتزمون قواعد المرور، والأهم من ذلك يحملون حقائبهم بأنفسهم، ويشترون احتياجاتهم من «السوبرماركت»، ويدفعون بسرور ثمن كيس البلاستيك، أو يأخذون معهم حقيبةً أو كيساً من القماش لنقل مشترياتهم، ويضعونها بأنفسهم في الأكياس، ويتصرّفون كأي أوروبي مهذّب ومتعلم. ولكن ما إن يعود د.جيكل الى وطنه حتى يتحوّل الى شخص آخر، أو الى ما كان عليه قبل سفره، أي ما يشبه «مستر هايد»، فتتغير تصرّفاته بمجرد أن تطأ قدماه أرض الوطن وتغادر الابتسامة وجهه، وتحل محلها التكشيرة المعروفة، ويقوم بطلب أول عتال ليحمل حقائبه من على السير المتحرك، وترتفع وتيرة صوته وتتضخم عنده «الأنا» بشكل مفاجئ. نحن بالفعل بحاجة الى تضمين مناهج التعليم دراسة الاخلاق، فكيف نقبل بكل هذا التناقض في تصرّفاتنا داخل البلاد وخارجها؟ ما معنى وجود كل هذا العدد المخيف من الحمّالين في المطار، ونحن الذين كنا نحمل حقائبنا بكل سرور في مطارات العالم؟ ولماذا نحتاج عشرات العمال في كل جمعية تعاونية؛ فقط لوضع مشترياتنا في أكياس البلاستيك؟ إن منظر هؤلاء العمال وتكدّسهم بائس بالفعل وغير إنساني، وتجد ما يماثله في أسواق السمك وفي أماكن أخرى، وكأن «المواطنين والمقيمين» أصبحوا فجأة من دون أيد وعاجزين تماما عن وضع مشترياتهم في الأكياس، التي توزّع مجانا؛ وهم الذين كانوا قبلها بيوم كالأبطال في بلاد الغال! ونتساءل هنا: ماذا حدث للشخصية التي كانت تقوم بكل أمورها بنفسها وهي خارج الكويت وأصبحت عاجزة تماما عن القيام بالأعمال نفسها في وطنها؟ من الضروري التخلّص من هذه الأعداد المتزايدة من العمالة، التي لا تحصل أصلاً على حقوقها، فهي التي تدفع غالبا للشركة التي استقدمتها، وليس العكس. كما على الحكومة خلق مواطن أقل اتكالية، بتركيبة سكانية أفضل لتخفيف الضغط المتزايد على الخدمات، وعلى أمن البلاد.

أحمد الصراف 



الارشيف

Back to Top