معجون وبلاليط الجمعية الخيرية

بعد أن جمعت 41 جمعية خيرية مبلغ 9 ملايين و140 ألف دينار في حملة «فزعة للكويت»، وبعد انتهائها من الاختلاف على نسبة الاستقطاع، وكيفية التصرُّف، قررت شراء مواد غذائية من السوق وتوزيعها على المحتاجين. رفض الجميع بيعها ما طلبت، ومنهم وزير التجارة، والحق معه، لأن ذلك سيؤدي لرفع مفتعل للأسعار، وتبذير غير مبرر. أسقط بيد الجمعيات، فاستعانت بأحد عرابيها، فخرج بفكرة أن تقوم هي بالاستيراد المباشر من الخارج. وهكذا قامت التجارة بإصدار تراخيص استيراد عامة، أكرر عامة، لـ 13 جمعية. فوجئت باسم جمعية الصداقة الكويتية الإنسانية، التي أفتخر أن أكون رئيسها، المميزة بتركيبة مجلسها، فقمت بالاحتجاج على هذا التزوير، واعتبرته «طعماً» لمسايرة الوضع والقبول بالمخالفة. قمت من فوري بالاتصال بالتجارة، وطلبت إلغاء الترخيص، فنحن لسنا تجاراً بل جمعية خيرية، وقانون تأسيس جمعيتنا، وبقية الجمعيات الخيرية لا يسمح لنا بالاستيراد أصلاً فكيف يتم تجاوزه؟ رفضت الرخصة على الرغم من اعتقادي أنني الرئيس الوحيد لجمعية خيرية الذي يعرف جيداً، من واقع خبرة تزيد على نصف قرن، أسرار التجارة ودروبها. بينت للمسؤولين تحفظاتي على منح الجمعيات الخيرية رخص استيراد عامة، وملخصها كالتالي: 1. ليست لدى أي منها خبرة ولا دراية بالاستيراد وتعقيداته. 2. المبلغ المطلوب صرفه لشراء مواد غذائية من الخارج صغير لدرجة السخف، مقارنة بالحاجة الحقيقية. 3. ستضطر الجمعيات لتشغيل المئات من المنتمين لها، وغالباً غير المدربين، للقيام بعمليات الاستيراد والتخليص والتخزين والتعبئة، وهذه كلها أمور صعبة، لكنها مفيدة «مالية» لمن يقوم بها. 4. عامل التكلفة هو المهم، فلا فائدة من استيراد كيس أرز بعشرة دنانير مثلاً، إن كان سعره محلياً نصف ذلك. 5. طلب الإعاشة مطلوب الآن، وفورا، وقيام الجمعيات بالبحث عن المصادر واستيراد البضاعة وتعبئتها وتوزيعها سيستغرق فترة لا تقل عن ثلاثة أشهر. تبين لي أن لا رغبة للمعنيين بالأمر في الاستماع لوجهة نظري، فاخترت الانسحاب من اجتماع كان مزمعاً عقده بين ممثلي الجمعيات الثلاث عشرة والسيدة الفاضلة وزيرة الشؤون.

***

تبين تالياً أن «اتحاد» المبرات والجمعيات الخيرية، وليس هناك مثل هذا الكيان، ثمن قرار «الشؤون» و«التجارة» وقرر السير في عملية الاستيراد التي ستعطي البعض منها فرصة تحقيق أرباح على حساب المصلحة العامة؛ ووصفت من أصدر القرار بأنه يتميز بـ«الخبرة والحنكة والدراية»! وكيف أن القرار سيحقق التوازن بين السوق المحلي ومتطلباته وبين المتطلبات الخيرية ذات الطابع الخيري «فهمتوا شيء؟».

***

نعود إلى ما ذكرناه سابقاً عن معارضتنا الشديدة لقيام أي جهة كانت بتوزيع مواد غذائية، فهذه مسألة قد تصلح في ظروف «إغاثة» معينة، ولكنها لا تصلح أبداً للظروف الحالية. فهناك مئات آلاف العاطلين عن العمل، وغالبيتهم من العزاب، وتوزيع سلة مواد غذائية عليهم سيكون تبذيراً غير مبرر. فاحتياجات الأسرة البنغالية مثلاً تختلف عن احتياجات الأسرة المصرية.  وبالتالي من الأفضل توزيع مبلغ التبرعات نقداً لكل محتاج، كما نفعل في جمعية الصداقة الإنسانية منذ ثلاثة أسابيع، ليقوم بصرفه بالطريقة التي تناسبه. المشكلة ليست في منطقية ما نطالب به، لكن في كونه غير مربح للبعض! فهل عرفتم متى تهرول الذئاب؟!

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top