بشرى.. بشرى غريبة!

أعلنت وزارة الأوقاف، المتخمة بكل شيء، عن إقبال «تاريخي» من المواطنين للعمل بوظيفة إمام أو مؤذن، حيث استجاب أكثر من ألف في اليوم الأول لفتح باب التسجيل، الذي سيبقى مفتوحا حتى الثاني من الشهر المقبل!

***

تصريح الأوقاف، المتخمة بكل شيء، مبشر بالخير من جهة ومثير للحيرة والاستغراب، من جهة ثانية. فأين كان كل هذا الإقبال «التاريخي» عن مهنتين طاردتين، كل هذه السنين، لنكتشف فجأة أن هناك أعداداً كبيرة تود العمل كأئمة ومؤذنين؟ ولماذا الآن؟ هل يعني ذلك أن طوال سنوات كان هؤلاء المواطنون يتقدمون بالفعل للعمل بهاتين المهنتين الوقورتين، ولكن «قوى خفية» في الوزارة كانت ترفض توظيفهم سواء لاختلاف توجهات المرشح لوظيفة «إمام» مثلا عن توجهات المسؤول عن التوظيف؟ أم لأن الوزارة كانت، وربما لا تزال، تفضل التعامل مع «الوافد»، السهل وغير المسيس، من العمل مع مواطن مشاكس وصاحب توجهات؟ أم لأن توظيف المواطن سيقطع رزق البعض داخل الوزارة، أو سيقطع رزق آلاف الوافدين العاملين في هاتين المهنتين؟ أم الخوف مما «قد» يسببه المواطن من «وجع راس»، إن قرر المؤذنون مثلا أو الأئمة إعلان الإضراب عن العمل، وهذا وارد؟ وهل هناك ضمانة من عدم تحول المساجد «لخليات» لزرع أفكار مناهضة لنظام الدولة، متى ما أصبح أمر «الإمامة» بيد المواطن؟ من كل ذلك نجد أن الحكومة بحاجة إلى شيء من المنطق والشجاعة في مواجهة مشكلة توظيف المؤذنين في الظروف الحالية، خاصة أن وضعها المالي يجبرها على اللجوء الى القرارات العقلانية والصائبة، فليس من المعقول الاستمرار في الاستعانة بآلاف المؤذنين، مواطنين ومقيمين، لوظيفة يمكن أن تؤدى بكفاءة من خلال أجهزة تسجيل يسهل إدارتها والتحكم بها بطريقة دقيقة، بحيث يخرج الأذان بصوت رائع جميل، وفي وقت واحد، من خلال أجهزة لا تطلب زيادة راتب ولا تعلن الاضراب. أعتقد أن كل اعتراض على الاستعانة بهذه الوسيلة العصرية والراقية غير مفهوم ولا مبرر. لقد سبق أن حرّم البعض الاستعانة برفع الأذان من خلال مكبرات الصوت، والإصرار على الأذان من دونها، لكن الوقت أثبت ان حجة المعترضين لا أساس لها، دينيا. كما كانت هناك اعتراضات مشابهة على أداء فريضة الحج بالطائرات، ومع الوقت أصبح المعترضون يسابقون غيرهم لأداء الفريضة بالطائرات.. الخاصة! وكانت هناك اعتراضات على استخدام الهواتف، وأخذ الصور الشخصية، وركوب السيارات، وعشرات أو مئات الموانع الأخرى التي أصبحت مع الوقت ليست فقط غير محرمة بل رائعة وضرورية ولا بد منها. إن الوقت مناسب جدا لتطبيق التكنولوجيا في رفع الاذان، فالظروف مواتية، لا بل ومطلوبة في ظل الشح المالي الذي تشكو موازنة الدولة منه، وكل تأخير في تطبيق هذا الأسلوب مضيعة للوقت والمال، فعاجلا أم آجلا سيطبق شئنا أم أبينا. 

***

الأمر المحير والمربك الآخر أن الأوقاف، عندما أعلن وزيرها، شخصيا، في إعلان غير مسبوق يحمل اسمه عن حاجة الوزارة لأئمة ومؤذنين لم تقم بتحديد العدد.. ولكن عندما فوجئت الوزارة بالعدد «غير المتوقع» من المواطنين الراغبين في العمل في هاتين الوظيفتين، تراجعت، أو «تلاحقت» نفسها وصرحت بأن حاجتها حاليا هو لعدد ثلاثمئة إمام ومؤذن.. فقط! فهل خاف مسؤولو الوزارة من أن الإحلال الفوري لكامل المؤذنين والأئمة سيهدم هياكل الوزارة عليهم؟

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top