«التربية» وإسقاط القروض

نعيش في عالم متعدد ومتنوع، عنصريا ودينيا ومذهبيا وعرقيا وثقافيا وتعليميا وتربويا. وكل هذه «الفوارق» يمكن التعايش معها بكل سهولة متى ما توفرت لدى الإنسان الثقافة الكافية، والإحساس بأهمية الآخر وحقوقه، وبغيابها يصبح التعايش صعبا، وقد يتطور الاختلاف لصراع. ولكن كيف يمكن تحقيق التعايش ونشر الثقافة؟ الجواب سهلة معرفته، ولكن يصعب في الغالب تطبيقه! فنحن نولد جميعا متساوين في كل شيء، ولكننا نكتسب ونطور مواقفنا من الآخرين تدريجيا من خلال الأسرة والشارع والمدرسة، بالتالي كراهية الآخر لا تبدأ معنا بصورة تلقائية، ولا نختلف مع الآخر أو نتقبله بسبب لون البشرة أو العقيدة، بل يأتي ذلك مع تقدمنا في العمر، فالطفل خامة يمكن تشكيلها بالصورة التي نريدها، وخير شاهد حالة الهيستيريا التي تنتاب قطاعات كبيرة من شباب الشعب الكوري الشمالي، الذين كنا نشاهدهم يذرفون «صادق الدموع» كلما مات «زعيم» لهم، فهؤلاء هم نتاج مدارس الدولة المؤدلجة! فمن خلال التعليم والتدريب الموجهين يمكن خلق «إنسان المستقبل»، ومن خلال المناهج العصرية والمبدعة يمكن خلق المواطن المبدع والخلاق، ولكن هل هذا ما تريده وزارة التربية وسياسيو أوطاننا؟ تركز المناهج في بعض دول أوروبا الغربية على خلق الإنسان العصري، الذي لا نعرف غالبا كيف نكونه من خلال مناهجنا. تتضمن مناهج غالبية مدارس الدول المتقدمة مجموعة من القواعد والمهارات التي تهدف لمعرفة الطالب لنفسه ومحيطه والعالم بصورة أفضل. ويتم إفهامهم أنه ليس شرطاً أن تقنع الآخرين بما تقتنع به، أو ضرورة أن يروا ما تراه أنت، فاختلاف النظرة للأمور أمر يجب أن يكون طبيعيا ومقبولا. كما يتم تدريب الطلبة على السعي لمعرفة الآخر، من أجل التعايش معه وليس لتغييره، فالاختلاف غالبا إيجابي، فنحن يكمل بعضنا بعضا، وما يصلح لي قد لا يصلح لغيري، وما يُزعجك قد يزعجني، وإننا نتحاور لكي نقنع الآخر بآرائنا، وليس لفرضها عليه، وألا نتسرع في الحكم، أو نبني القناعات على تصرف أو سلوك عابر أو لفظ لم يعجبنا، وأن نتجنب تصيّد عثرات الغير، وأن نقبلهم كما هم، وليس كما نحب أن يكونوا، والأهم من كل ذلك أن نقتنع جميعا بمقولة أن نعامل الآخر بالطريقة التي نود منهم أن يعاملونا. فلولا حاجتنا وضعفنا لما نجح غيرنا، فالحياة تتسع لنا جميعا فلِمَ القتال، وهناك ما يكفي الجميع؟

***

ولو تمعن التربويون في مثل هذه القواعد وجعلوها ضمن مناهج التعليم لأصبح لدينا جيل مختلف تماما...!! ولكنْ شعب نصفه مهموم بموضوع إسقاط القروض لا وقت لديه للتفكير في موضوع تعليم الأجيال القادمة!

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top