مشاعر فلسطينية غادرت إلى

انتشرت على وسائل التواصل رسالة عاطفية كتبتها طبيبة فلسطينية من مواليد الكويت، تصف فيها مشاعر الألم التي اكتنفتها، وهي تترك بلدا لم تعرف غيره وطناً، وكيف أنها لم تحصل على جنسيته أو حق الإقامة الدائمة فيه. تعاطفت مع الفتاة، ومع ما احتوته رسالتها من مشاعر متناقضة، مدح كبير للكويت، وذم أكبر لها، بالرغم من أنها الدولة التي وفرت لها المعيشة الكريمة والمأوى والعلاج والدراسة والعمل والراتب المجزي وفرصة بناء حياة جديدة، والتي بغيرها ما كان لها فرصة حقيقية للهجرة لنيوزيلندا، وطنها الجديد، فهناك ملايين الفلسطينيين وغيرهم يحلمون بالهجرة لبلاد الغرب، ولكنهم لم يمتلكوا يوما المقومات التي امتلكتها هي، والتي لم تحصل عليها إلا لأنها ولدت وعاشت في الكويت، فلم كل هذا الجحود؟ فعتابها، الذي كتمته لعقود، حسب قولها، كان يجب أن يظهر ويقال. فهي ترفض أن تصنف كوافدة، أو مقيمة، بل تريد صفة مختلفة لأنها ولدت في الكويت. وبأن «حقوقها كانت منقوصة»، وكانت فاقدة الاحترام، ومسلوبة الفرص، لمجرد أنها ورثت لقب «وافدة»، فعندما تُشتم تصمت، وعندما تُحقّر تصبر، ولا يحق لها الاعتراض لأنها «وافدة»! وهذه مبالغة سمجة ولا تستحق الرد أو التعليق عليها لمخالفتها للواقع، وكأن كل الوافدين يشتمون يومياً ويحقرون، ولا كرامة لهم! ثم تصف الكويت بالغالية التي أحبتها وممتنة لكل ما قدمته لها، لتعود وتشكو من قلة الاحترام وغياب العدل وفقدان الشعور بالانتماء، والذل والهوان (!!!).

***

لا شك أن الفتاة كانت مشوشة تماماً عندما كتبت رسالتها. فكيف حصلت على كل ما حصلت من فرص علاج وتدريس وتربية وعمل ومأوى إن كانت بالفعل تعامل بقلة احترام ومن دون عدل، وبذل وهوان؟ وما اللقب الذي سيطلق عليها في نيوزيلندا، قبل أن تحصل على جنسيتها؟ لقد ولدت هذه الفتاة، وغالبا في مستشفى حكومي، وتلقت العلاج بعدها في مستوصفاتها، والتحقت بمدارسها، وحتى لو كانت خاصة، فبما كسبه والدها من مال في الكويت صرف عليها. كما درست في جامعة الدولة المجانية، وتخرجت طبيبة بأموال الدولة، وعملت طبيبة فيها، فماذا كانت تريد، بحق السماء الزرقاء، أكثر من ذلك؟ الكويت ليست أميركا ولا نيوزيلندا ولا كندا، ومن قلة الحصافة مقارنتها بدول كبيرة وشاسعة وبحاجة للأيدي العاملة لكي تعمل وتدفع الضريبة للدولة، ولهذا هي تشجع هجرة العقول الشابة والمتعلمة إليها، لفائدتها لاقتصادها. أما الكويت فدولة ريعية تهتم بالمواطن من المهد إلى اللحد، ومن غير المعقول أن تمنح جنسيتها لكل من ولد على أرضها، ولو حدث ذلك لأصبح عدد سكانها عشرة ملايين، ويستحيل توفير العيش الكريم لمثل هذا العدد مع محدودية موارد الدولة وصغر مساحتها. ولو حصلت هذه الفتاة على الجنسية الكويتية، كما كانت تطالب، لما ترددت في معارضة منح الجنسية لكل من يولد على أرض الكويت. علما بأن دولا عديدة في العالم، عربية وغربية، لا تعطي جنسيتها أو الإقامة الدائمة فيها لمن ولد على أرضها. لا شك أن عملية التجنيس في السنوات الخمسين الماضية كانت سيئة بكل المقاييس، وكان من المفترض أن يمنح شرف حمل جنسية الدولة للمتفوقين، أو من تتوسم فيهم الفائدة، ولكن حصل ما حصل، وأصبح الوضع صعبا، وليس من الحكمة زيادة الوضع سوءا من خلال الاستمرار في عملية التجنيس. وقد ظهرت أخيرا مساوئ «التجنيس العشوائي»، بعد ان أصبح عجز الميزانية يهدد بتآكل كامل مدخرات الدولة خلال سنوات قليلة! ولا ننسى في هذه العجالة أن جامعة الدول العربية سبق أن طالبت الدول العربية بعدم منح الفلسطيني جنسية الدولة التي يقيم فيها كي لا ينسى قضيته.

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top