الأكثر تديناً.. والأكثر فساداً

تجاوزني في الطريق بسرعة هائلة، مناوراً بين حاراته، كاسراً كل قوانين المرور وأخلاقيات القيادة، مسبباً الأذى لمن حوله، ومعرضاً حياته وحياة غيره للخطر، وفي النهاية اضطر للتوقف عند إشارة المرور الحمراء، وتصادف وقوفي بجانبه، فأشرت له طالباً التحدّث معه وسألته عن سبب تصرفه الغريب والخطر، فابتسم، ورد: سامحني عمي، مستعجل أبغي أوصل البيت قبل الأذان وألحق على الإفطار.. لا تعليق!
***
تضمنت كشوف مكافأة الصفوف الأمامية أسماء أكثر من 200 ألف مواطن ومقيم. وأجزم أن غالبية هؤلاء من المؤمنين، ولكن نسبة كبيرة منهم تعلم علم اليقين أنها لا تستحق المكافأة، ولكنها اختارت السكوت، وهي على علم بوجود اسمها ضمن المكرمين.. لا تعليق!
***
أثناء فترة الاحتلال الصدامي الحقير، كنت مسؤول لجنة صرف مبالغ دعم «اللاجئين الكويتيين» في الرياض.

اكتشفت، من واقع كشوف أسماء من تلقوا أول دفعة من مبالغ الدعم، وهي الدفعة الأكبر، وكانت بحدود ألفي دينار للأسرة، أن آلاف «المواطنين المتقين» قد تسلّموا الدعم لأكثر من مرة!

وسبق أن كتبت بالتفصيل عن «جريمة سرقة المال العام» تلك في مقال سابق، وبالتالي.. لا تعليق.

وبعد التحرير، قامت نسبة عالية من المواطنين، «الطيبين»، الذين لا تتردد في مصاهرتهم بتسلّم مكافأة الـ500 دينار، التي خصصت لكل مواطن بقي في الكويت، بالتحايل وتسلّم المكافأة لأكثر من مرة!

ولم يقم غالبية هؤلاء بإعادة المبالغ المسروقة إلا بعد تحويلهم للنيابة.. ولا تعليق!
***
وبعد التحرير، قررت الحكومة شراء نسبة عالية من ديون البنوك على المواطنين والشركات، واعتبار تلك المبالغ ديناً في ذمة الدولة، على أن تقوم الدولة خلال ذلك بدفع فوائد للبنوك على تلك الديون.

رفضت مؤسسة مالية إسلامية، عندما كان الإخوان يسيطرون عليها، فكرة تلقي فوائد محددة مسبقاً على ديونهم، باعتبار ذلك في حكم الربا، وكاد قرارها أن يتسبب في الإضرار بها مادياً بشكل خطير، إلا أن لجنتها الشرعية، وبمبادرة مكيافيلية قررت اعتبار تلك الفوائد «هبة من ولي الأمر»، فتم قبولها، وتجاوز الأزمة.. وأيضاً لا تعليق!
***
من كل هذه الأمثلة والمئات غيرها نجد أن شعوبنا العربية، والكويتية بالذات، تمارس العبادة الشعائرية، حسب تعبير الكاتب «محمد النابلسي» ولا تمارس «العبادات التعاملية»!

فأمثال سائق السيارة أعلاه، وغالبية ممارسي الشعائر يقومون بذلك للفوز بالآخرة. وفي سعيهم لأداء تلك المشاعر فإنهم لا يكترثون كثيراً بما يسببه «سعيهم» من أذى للغير. فإيقاف السيارة مثلاً في الطريق، وعرقلة السير، لأداء الصلاة، أمر عادي جداً عند هؤلاء!
***
من كل ذلك نجد أننا بحاجة إلى جرعات مكثفة من الدروس الأخلاقية. فالدين وتعاليمه موجودان بيننا وحولنا منذ 14 قرناً، ونتعرف عليهما كل يوم. أما القضايا الأخلاقية فإنها تحتاج إلى البحث والتفكير والتدريس وضرب الأمثلة والقدوة الحسنة. فلو زرنا الشعوب الاسكندنافية لوجدناهم الأقل التزاماً بارتياد الكنائس، ولكنهم الأعلى في الالتزام بالأخلاق!

ومن هنا يجب السعي إلى التخلص من وصف «الشعوب الأكثر تديناً والأكثر فساداً»!

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top