العنجري.. والجوازات الخاصة.. وغيرها

«قد» يكون الوزير والنائب المميز السابق مشاري العنجري من الذين تنطبق عليهم صفة «المسؤولين السابقين المعتكفين»، والذين لم تغرهم يوما المناصب ولم يسعوا لها بقدر ما سعت اليهم. عندما أستعرض في ذهني سيرته وامثاله من الوطنيين الحقيقيين كالنائب السابق الصديق عبدالله النيباري والدكتور أحمد الخطيب والعشرات غيرهما، أشعر بفخر لانتمائي لوطن فيه أمثال هؤلاء. فيكفيهم أن سيرتهم، وعلى مدى أكثر من نصف قرن، لم تشبها شائبة أو مخالفة لقانون أو تربح او استغلال نفوذ، وربما حتى مخالفة مرور. ومعروف أن هؤلاء رفضوا مرارا فكرة دخول الوزارة، أو قبول إغراءات ممارسة السلطة، وحتى عندما قبل البعض منهم المنصب الوزاري، بعد إلحاح وبحجج منطقية تتلخص في أن رفضهم يعني عدم استعدادهم لإصلاح الإدارة التي ينتقدونها، وبالتالي ترك المجال لغير الأكفاء، فقد نتج عن قبولهم للمنصب «مؤقتا» إصلاحات حقيقية لم يكن يجرؤ غيرهم على التصدي لها، ولكنهم في النهاية، كما مع غيرهم، اختاروا الانزواء، بعد أن تبين لهم، بحكم الممارسة والواقع، أن العمل الحكومي ليس سهلا دائما لمن يريد الإصلاح، وأن للسلطة حسابات تختلف عن حسابات النائب أو الوزير، وهي ترى الأمور بمنظارها، الأكثر حساسية غالبا، ويهمها إرضاء أكثر من طرف ولو نتج عن ذلك «زعل البعض» أو استنكافهم مستقبلا عن قبول المنصب الحكومي، فالأمر يتعلق بمشروع حكم، وهو أهم لدى هؤلاء من أي أمر أو مشروع آخر.

***

كتب السيد العنجري مقالا قبل فترة، أعادت القبس نشره في بداية الشهر الماضي، تعلق موضوعه بزيادة صدور مراسيم تعيين بدرجة وزير في عدد من الجهات الحكومية، ومنهم محافظون وأمناء مجالس وغيرهم العشرات. وأنه بحث في الجوانب الدستورية والقانونية لمثل هذه التعيينات فوجدها غير دستورية، فالوزير هو من يضطلع بقيادة السلطة التنفيذية، ويشارك في رسم السياسة العامة للدولة، وكل حاملي لقب وزير بمرسوم لا تنطبق عليهم هذه المصطلحات، ولا يحاسبون امام السلطة التشريعية. جاء العهد الجديد الحالي، وجاءت معه إصلاحات جيدة، كان أهمها حتى الآن، وضع حد للتوسع في استخدام مراسيم تعيين وزراء، والطلب من حاملي اللقب، الذين تجاوز حملهم له السنوات الأربع تقديم استقالاتهم، وهذا ما حصل!

***

مقال الأخ مشاري العنجري، بما احتواه من مسوغ ودلائل، كان الجرس الذي بين الخلل في نواح كثيرة، ولا شك أن هناك أمورا أخرى كثيرة يتطلب الأمر الالتفات اليها، وإن كانت أقل أهمية من موضوع وزراء المراسيم، مثل الجوازات الخاصة التي كثُر إصدارها في السنوات القليلة الماضية. كما هناك البيوت الحكومية التي تعود لجهات سيادية، والتي تم توزيعها بغرض تنفيع من منحت لهم، وما يتطلبه الأمر من وضع ضوابط لمنحها مستقبلا. كما يتطلب الأمر التفكير في مصير عدد لا يستهان به من شاغلي المناصب العليا الذين لا يعملون منذ سنوات طويلة ويتباهون في وسائل الإعلام بذلك، وكأن في الأمر فخرا أو شيئا من هذا القبيل. وهناك مجالس كثيرة إما مشلولة أو لا تعمل الكثير، كمجلس المحافظات، والذي يقال انه لم يجتمع مرة، وسبق أن كتبنا ان المحافظين لا وظيفة حقيقية لهم، ولكن مع هذا يتبعهم عدد من كبار الضباط، وجيش صغير من الموظفين، عسكرين ومدنيين.

 أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top