(مقال رأت القبس أن لا ينشر لديها)

(مقال رأت القبس أن لا ينشر لديها)
عشق الوطن وليس الطائفة أو القبيلة
تتكشف، يوما عن يوم، خطورة التخدق والاستقطاب الطائفي والقبلي والأسري، الذي أصبح حديث كل ديوان ومجلس ومقال، ولم ينجوا من الانجذاب لهذه الجهة أو تلك إلا القلة المنتمية لوطنها، وعددهم الذي كان لاضمحلال أصبح الآن في صعود، بعد أن غاب ما عهدناه من تراخ حكومي، والبدأ بوضع حد لهذا التخريب المجتمعي المستمر.
يقول المثل "فرق تسد"، وهذا صحيح، لكنه يصلح لجهة متسلطة، تشعر بعدم الاطمئنان من جهات مضادة لها يضرها تجمعها أو اتحادها، لكنه لا ينطبق بالضرورة على أبناء البيت الواحد، وعلى وضعنا في الكويت، أو بالأحرى على العلاقة بين أسرة الحكم والشعب، وبالتالي فإن اتباع سياسة فرق تسد، إن طبقت، فستكون نتائجها وخيمة على الطرفين، ونبرأ بحكومتنا الرشيدة اللجوء لمثل هذا الأسلوب.
**
تزداد مشاعر الإنتماء للقبيلة أو الطائفة أو الطبقة الاجتماعية أو الإنتماء الأسري بقوة خلال فترة الحملات الانتخابية، ليس فقط بسبب قيام المرشحين باستغلال تلك النعرات، ومحاولة استمالة المرشح نحو الإنتماء لها، بعيدا على الإنتماء للوطن، بل وأيضا لتذكيرهم بأن هذا الانتماء هو الذي عزز مكانتهم، وهو الذي حمى ظهورهم، وحقق مصالحهم في الوظيفة والترقية، وغير ذلك.
هذا الشعور القوي بأهمية الإنتماء للطائفة أو القبيلة، بدلا من الانتماء للوطن لم يأتي من فراغ، بل سعت جهات محددة، وعلى مدى أكثر من نصف قرن، على تنميته وتغذيته، بحيث أصبح، مع الوقت، ولدى قطاع كبير من المواطنين، أمرا راسخا، عززه تفشي الفساد الإداري والواسطة في أجهزة الدولة.
مشكلة الدولة بدأت مع نشوء الكويت الحديثة في بداية الستينيات. فقد اكتشفت السلطة حينها أن الضعف البنيوي والبشري للدولة يتطلب زيادة عدد السكان بطريقة ما، وكان أمامها وعائين كبيرين يمكن الغرف منهما، سكان البادية، الرحل، أو التوجه نحو تجنيس مواطني الدول القريبة. لكن محاذير كثيرة، ثقافية ولغوية وطائفية وإثنية، منعت اللجوء للشمال بكثافة، كما فعلت غالبية دول الخليج، خاصة وأن المشاعر القومية والناصرية كانت حينها في أوجها، وكان كتّاب من أمثال عبدالله حسين الرومي وأحمد السقاف، ود. أحمد الخطيب يحذرون من التمادي في تجنيس غير العرب، من خلال إظهارهم كخطر قومي، وبالتالي رجحت كفة أهل البادية واكتسب شيخها دورا هاما، مع الوقت، فهو حلقة الوصل بين من يدعي الإنتماء لقبيلته، وبين السلطة، وكان لكل شيخ ختم مميز يختم به معاملات أتباعه، ومن ثم تعتمده السلطة في منح الجنسية، وكانت دوافع وضع الختم إما قبلية أو في الغالب مادية.
بعد إنتهاء أعمال لجان التجنيس، وإغلاق السجلات، رأت جهات، في منتصف الستينيات، إعادة فتح ملف منح جنسية "بالتأسيس"، فحصل الآلاف عليها يومها، وظروف وتبعات الأمر معروفة وبعض الشهود لا يزالون على قيد الحياة، وكان للمتنفذين دورهم في ذلك، وامتد تاليا لتزكية الكثيرين لتولي الهام والخطير من المناصب الحكومية.
ساهمت هذه الأمور وغيرها في زيادة مكانة هؤلاء الوسطاء، الذين تحولوا مع الوقت لأمراء لقبائلهم، مع زيادة ثقل القبيلة والطائفة المناطقي، خاصة بعد السماح لأتباع القبائل والطوائف بالتوسع في إقامة مناسباتهم، ورفع أعلامهم، القبلية والدينية. كما تساهلت الحكومة في قضية "التنظيف العرقي المناطقي"، من خلال السماح للمواطنين ببيع مساكنهم، المرهونة، واستبدالها بمساكن مرهونة أخرى تقع في مناطق لهم فيها ثقل طائفي وقبلي، وانتخابي أكبر.
ما نحن بحاجة له، في العهد الجديد، هو قيام الحكومة باستعادة مكانة الوطن وتجذير الانتماء له في القلوب والعقول، ليكون فوق أي إنتماء آخر، وهذا ليس بالأمر الصعب، فكما استطاعت الحكومة القضاء شبه التام على الانتخابات الفرعية، والتي كانت في حكم المستحيل، وكما نجحت في تقليل التطرف الطائفي، فإن بإمكانها بالتالي القضاء على التحيز القبلي على حساب التحيز للوطن... إن أرادت!
لقد غزا صدام الكويت واحتلها وأهان كرامة أهلها، وضاع الوطن منا لسبعة أشهر، تبين للجميع خلالها أن لا الولاء للطائفة ولا للقبيلة ولا للأسرة يمكن أن يغنينا عن الوطن، أو أن يحل محله، لكننا فشلنا في استغلال ذلك الوضع، دراسيا واجتماعيا، فضاعت فرصة تربية جيل كامل على الولاء للوطن فقط.
أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top