بصراحة، في الفم ماء كثير
أكتب هذا المقال والألم يعتصرني لعجزي عن فعل شيء، فالكارثة قادمة، والمنطق هو الذي سيوقفها، ولكنه غائب عن حياتنا! رضيت أم ابيت، نفيت او أكدت، فإن هذا سوف لن يغير من صورتي في أذهان الكثيرين، وخاصة أولئك الذين لا يعرفونني بما يكفي، ومع هذا سأكتب لأنني معني بحالة العداء بين عامة الشيعة وعامة السنة. ولأسباب ساسردها تاليا، أنا لست خائف من عداء الشيعة للسنة، فالشيعة يمكن مراضاتهم متى ما ساويتهم بغيرهم، ووثقت بهم، والأمثلة أكثر من تحصى، فطالما وقفت غالبيتهم الساحقة مع انظمتهم، ضد من ادعى تمثيله لهم. كما أن الشيعة غالبا، إن بسبب طبيعة معتقدهم، أو نوعية ثقافتهم أو كونهم أقلية، هم أكثر ميلا للقبول بالآخر من الأغلبية. وبالتالي فالمشكلة تكمن حقيقة في العداء السني للشيعة، وليس العكس. فقد لمست، وعلى مدى نصف قرن، وأنا المتحرر من كل ارتباطاتي الطائفية منذ أكثر من 55 عاما، أنه حتى بين اكثر اصدقائي السنة تعليما وفهما، أن هناك نوع من الشعور بالتعالي على الشيعة، مصحوبا بالشك والرفض لهم، ولم ألمهم يوما على ذلك فهم ابناء بيئتهم المعادية للآخر، ولكني أتساءل لم كل هذا الحذر من الشيعي، وهل تستحق بضعة اختلافات في الطقوس والمفاهيم كل هذا العداء الشرس؟ وكيف أصبحت إسرائيل مؤخرا تمثل خطرا اقل من "الخطر الشيعي"؟ ولماذا يجب وضع الشيعة على نفس درجة الكفر والشرك مع غير السنة، علما بان عدد وقوة الشيعة لا تقارنان بالسنة؟ كما أن كل أنظمة الدول الإسلامية هي سنية عدا واحدة او اثنين، وبالتالي لا خوف، منطقيا وعمليا، من كل تهديدات الشيعة ضد السنة. واضح أن الأغلبية السنية ترى، مباشرة، او عن طريق قادة الراي والإفتاء بينهم، وواضعي مناهجهم، وكاتبي خطبهم، ترى أن على المسلم أداء واجب الجهاد، حسب النص الديني. والجهاد يكون ضد المشركين والكفار واتباع الديانات والعقائد المنحرفة، بحيث يتم اجتثاثهم كليا، إن رفضوا الخضوع. وطالما أن الشيعة مشركون وكفرة، فإن حالة العداء والتحريض يجب أن لا تقتصر عليهم، بل يجب أن تمتد لتشمل غيرهم. وحيث أن المكون السني، حتى لو اجتمع على إرادة واحدة، عاجز، تقنيا وعسكريا وإنسانيا وبشريا، عن القضاء على مليون، دعك من ستة آلاف مليون من الكفرة الفجرة، فما الذي سيجنيه من وقع اختياره على الشيعة لإعلان الجهاد عليهم؟ وهل بإمكان أي كان القضاء على 200 مليون شيعي مثلا؟ أو حتى دفع الشيعة "لتعديل" معتقدهم؟ وهل بقتلهم أو تغيير عقيدتهم سيصبح حال السنة أفضل؟ وأخيرا هل لا يزال هناك من يشك بأن مشكلتنا دينية أخلاقية بحتة، قبل أن تكون شيئا آخر؟...نتوقف هنا، ففي الفم ماء كثير!