أخطائي القاتلة.. وإيران

أخطائي كثيرة، أغلبها لم يؤلمني، لذا نسيتها، لكني لم أنسَ، حتى بعد 57 عاما، أنني حزنت كثيراً، ونزلت دموعي لسماع جمال عبدالناصر يعلن تنحيه عن القيادة، بعد تورطه في هزيمة 1967 الكارثية، وكنت، ويا لسذاجتي، أتمنى أن يبقى الدكتاتور «زعيماً».
كما كنت تاريخياً معجباً بالشعب اليهودي، وما أزال، وكونت صداقات مع عدد منهم، في أمريكا وبريطانيا، كمهنيين واستشاريين وأصدقاء، وكانوا في غاية اللطف والذكاء، والأمانة في التعامل، وانعكس ذلك الإعجاب أو أمتد لإسرائيل، التي كنت أعتقد أنها تأسست على قيم تستحق الاحترام (مع إيماني بحق الشعب الفلسطيني في أرضه، واستنكاري لكل الظلم والإجرام الذي لحق به على أيدي الصهاينة).

جريمة غزة بيّنت لي كم كنت ساذجاً وعلى خطأ، وأن مبادئ الصهيونية، المنبثقة من عقيدة سياسية متطرفة لا مكان فيها للآخر ولا للرحمة، والتعصب الأعمي هو القاعدة، وهذا جعلني أنظر للأمور بطريقة مختلفة.

لست من عشّاق النظام الإيراني، ولا أي نظام سياسي ديني، المتطرّف بطبيعته، وكدت أسجن، في قضية «أمن دولة»، بعد أن انتقدت رمز الجمهورية الإسلامية، لكن هذا يجب ألا يؤثر على رأيي في المواجهة العسكرية الأخيرة بين إيران وإسرائيل.

يقول صديق إن إسرائيل حققت مكاسب من الهجوم الإيراني، فقد كشف محدودية قدرات إيران، مقارنة بإسرائيل والغرب وأمريكا!

وهذا كلام ساذج، فـ%90 من دول العالم قدراتها محدودة مقارنة بتلك الدول، وإيران ليست استثناءً.

كما تراجع الاهتمام العالمي بمأساة أهالي غزة، وأصبحت إسرائيل الآن الضحية، والمعتدى عليها، وهذا خفّف الضغط العالمي عليها. وأعطى الهجوم الإيراني إسرائيل الحق في رد الهجوم، في الوقت المناسب لها!

كما يعتقد الصديق أن هجوم الصواريخ الإيرانية محا آثار فشل إسرائيل المخابراتي والعسكري يوم 7 أكتوبر، وأعاد الثقة لها. وأن نجاحهم في إسقاط %99 من الصواريخ البالستية والكروز و%60 من المسيرات دليل على ذلك، لكنه تناسى أن مقارنته غير عادلة! فقد ساهمت قوات أمريكية وبريطانية وأوروبية، وحتى عربية في إسقاط الصواريخ الإيرانية، علماً بأن إيران تبقى دولة من دول العالم الثالث، ولا يجوز مقارنة قدراتها بقدرات من أسقطوا صواريخها. كما بيّن الهجوم الإيراني، برأي الصديق، أن إيران تشكّل تهديداً وجودياً لإسرائيل، وأنها لن تتردد في إبادتها إن امتلكت القوة النووية!

ما لم يلاحظه الصديق أن إيران، ولأول مرة منذ عام 1979، نجحت، من أراضيها، في تحدي إسرائيل، وجعلتها تقف على أطراف أصابعها قلقة مما سيأتيها، وكانت ساعات هلع حقيقية شاهدها العالم في مظاهر المهجرين في المدارس، والهرولة للملاجئ، وتخزين الأدوية والأغذية، وحتى مغادرة البلاد، وكلها أمور مستجدة، بزخمها، على المجتمع الإسرائيلي.

لقد أثبتت صواريخ إيران، ولنسمها المتهالكة، أن إيذاء إسرائيل ودفعها للعيش في كمد أمر ليس صعباً، فهي دولة مدججة بالسلاح حتى أذنيها، لكنها هشة، وبحاجة مستمرة للدعم الأمريكي، وهذا أصبح غير مضمون استمراره للأبد، وبغيره ليس بمقدورها الصمود طويلاً، أو أن تهنأ بالسلام، وحتى ترسانتها من الأسلحة النووية لا يمكنها استعمالها إلا في حالة «عليّ وعلى أعدائي»، بسبب صغر مساحة الدولة. وما بثته إيران من رعب في قلوب الإسرائيليين أمر لا ينكره إلا جاهل، فلولا تسابق دول كبرى لحمايتها، لكان حجم التدمير كبيراً.

أعيد وأكرر، لست من عشّاق النظام الإيراني، ولا أتفق مع «حماس»، ولا أعتقد انها تختلف أو تقل تطرفاً عن غلاة الإسرائيليين، ولن يكون هناك سلام بوجودها. لكني في الوقت نفسه لا أؤمن بزوال إسرائيل، بل أؤمن بأن انتصارها على «حماس»، وعلى كل متطرف فلسطيني، أو عربي، لا يمكن أن يتحقق بغير حل الدولتين.

ملاحظة: لا يؤمن أغلبية الصهاينة بوجود إله، لكنهم يؤمنون بأنه وعدهم بأرض فلسطين!
المؤرخ الإسرائيلي بابيه

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top