الخنوع والخضوع المذل

رأت السلطة في منتصف السبعينات تقريباً، ومع زيادة مواردها النقدية، أن التيار الوطني، الأقرب لليبرالية، يشكل خطراً على أمنها، وان عليها تغيير بعض التوازنات وطريقة ممارسة الديموقراطية، وهنا اتجه أحد وزراء السلطة الى تجنيس فئات معينة لمصلحته والحكم، لما عرف عن الفئة من ولاء لمن يكرم وفادتها! ورأت شخصية قوية أخرى أن من الأفضل التحالف مع القوى الدينية، داخل البرلمان وخارجه، لما عرف عنها أيضا من ولاء للسلطة، بموجب نصوص دينية! ما لم يدركه الأول ولا الثاني في حينه أن الركون لولاء المجموعة الأولى، اعتمادا على مشاعر أو علاقات اجتماعية وتاريخية، أمر غير مضمون مع تطور بيئة هؤلاء وحصول أبنائهم وأحفادهم على تعليم أفضل. من كان فداوياً، أو موالياً فقد مات، وأخذ معه إخلاصه لولي نعمته، وجاء بعده من لا تعني الكلمة له شيئاً، وهو بالتالي غير مدين بولائه لأحد! أما الطرف القوي الآخر فقد اخطأ بثقته المفرطة بالجماعات المتدينة، واخطأ في الاعتقاد بصلاح مقولة تنسب لمسؤول سعودي من أن «الدين طير يقنص به»! فهذه السياسة قد تكون مناسبة لمجتمع سلطوي، يؤمن بالسيف والمنسف، ولكنها ليست بالضرورة صالحة لبلد كالكويت، التي لم تعتد كثيرا لا على السيف ولا على «المنسف»، فهؤلاء الحلفاء، الموغلون في تدينهم، ولو ظاهريا، يمكن الاستعانة بهم لتحقيق أهداف معينة، ولكن ولاءهم الأبدي غير مضمون، ويصبح الأمر أكثر صعوبة عند الرغبة في التخلص منهم، فهذا عادة ما يتطلب استخدام القوة، وهذا ما فعله «ابن سعود» مع «الإخوان» عندما بدأ تذمرهم من إصلاحاته، فعمل فيهم «السيف» وبعدها «المنسف» فيمن تبقى منهم. وحدث ما يقارب ذلك في قطر قبل سنوات مع احدى القبائل. أما في الكويت فالأمر، كما يبدو، ليس بهذه السهولة بعد أن كبر «الإخوان» وطالت مخالبهم وقويت معهم أنياب «السلف»، وأصبحوا يشكلون ليس فقط عبئا على من سبق أن «أنعم» عليهم وقربهم ليستعين بهم في «وقت الشدة»، بل أصبحوا يشكلون خطراً على النظام نفسه، ولهجة خطاب المعارضة السياسي في المجلس السابق، والأغلبية في المجلس الحالي، خير دليل، فهؤلاء سيستمرون في المطالبة بالمكاسب وهم يرون تراخي السلطة واستمرار تنازلاتها، واصبحوا بالتالي يشكلون العبء الأكبر عليها، هذا عدا أنهم يشكلون خطراً على النظام برمته، وتصريحات ضاحي خلفان لم يجف حبرها بعد، وبالتالي فإن ما ورد على لسان بعض «قيادييهم» من كتاب من أن لا رابط سياسيا بينهم وبين التنظيم العالمي للحركة لا يعدو أن يكون هراء في هراء!
* * *
ملاحظة: جاء قرار وزير الأوقاف، أو بالأحرى السلطة، الخضوع لمطالب النائب هايف بوقف تسجيل خطب الجمعة، وفتح مكبرات الصوت وزيادة ساعات فتح المساجد، دليلا آخر على مدى عجز حكومتنا وهوان حالها! فلا يمكن أن تكون على حق عندما منعت، وليست على حق الآن عندما أجازت، وهي حتما ستعود للمنع مع اشتداد تجاوزات الخطباء.

الارشيف

Back to Top