خذوا النفط واعطونا الكتاب
كتب توماس فريدمان في «النيويورك تايمز» (3/10)، أنه عندما يسأل عن أفضل بلد لديه، عدا وطنه، فإنه يجيب: تايوان! فتايوان بلد خال من أي موارد طبيعية وأرضه صخرية ويقع في بحر تتلاطمه العواصف من كل جهة، وبحاجة لاستيراد كل شيء حتى الرمل والبحص، ومع هذا يمتلك رابع أفضل احتياطي مالي في العالم، لأنه اختار الحفر في عقول أبنائه بحثاً عن الإبداع بدلاً من الحفر في الأرض بحثاً عن المعادن، فالبشر هم طاقته الوحيدة غير الناضبة والقابلة للتجديد. ويقول إنه وجد إجابة لتفوق تايوان في دراسة لمنظمة oecd الإقليمية عن علاقة مخرجات التعليم في 65 دولة في مرحلة الثانوية، مقارنة بما تحققه كل منها من دخل من مصادرها الطبيعية، وأن هناك علاقة سلبية بين الثراء المتحقق من الموارد الطبيعية، كالنفط، وبين مخرجات التعليم وما يحصل عليه الطلبة من معرفة ومهارات، وأن الظاهرة عالمية. وبيّنت الدراسة أن طلبة سنغافورة وفنلندا وكوريا وهونغ كونغ واليابان حققوا أفضل النتائج بالرغم من خلو دولهم من الموارد الطبيعية، بينما حقق طلبة ثانويات قطر وكازاخستان والسعودية والكويت وسوريا والجزائر والبحرين وإيران أسوأ النتائج، وحقق طلبة لبنان والأردن وتركيا، الأقل في مواردهم الطبيعية، نتائج أفضل. وأن طلبة دول مثل البرازيل والمكسيك والأرجنتين، الغنية بالموارد الطبيعية، حققوا نتائج متواضعة في الوقت الذي حقق فيه طلبة كندا وأستراليا والنرويج، الذين تتمتع دولهم بغنى الموارد نفسه، نتائج جيدة، لأن هذه الدول حافظت على ثرواتها بطريقة سليمة، وأعادت إحياءها، واستغلت العوائد بطرق سليمة، وابتعدت عن استهلاك ما حققته من ثروات في الرواتب والمنح، كما يفعل البعض بجنون واضح. ويقول فريدمان إنه يمكن قياس تقدم دولة ما في القرن الـ 21 من خلال ما تنفقه على «خلق» المدرس الناجح، وتربية الأبناء وزرع الجدية فيهم والاهتمام بمقرراتهم، وليس بما تمتلكه من ذهب وألماس ونفط، فمستوى مخرجات التعليم هو الذي سيحدد قوة أمم المستقبل وثراءها وليس الدخل من الموارد الطبيعية، ولو نظرنا إلى جنسية غالبية الشركات المدرجة في سوق ناسداك، بخلاف الاقتصادات الكبرى، لوجدنا أن جميعها فقيرة في مواردها الطبيعية، فالمعرفة والمهارات هما عملة المستقبل. (وأعتقد أن سبب تميز اقتصاد دبي وشعب البحرين عن بقية «المشايخ والممالك» يعود لفقرهما النفطي)! ويختم فريدمان مقاله بأن من المفيد أن يكون لدى دولة ما نفط وغاز وألماس، ولكنها تصبح بلا جدوى إن لم تستغل بطريقة سليمة، خصوصاً أن هذه الموارد تضعف أي مجتمع في المدى البعيد، إن لم يتم الاهتمام بالتعليم والإيمان التام بالثقافة، فالذي يحرك الإنسان ليس الذي يأتي إليه طوعاً، بل ما يدفعه ليحضره بنفسه.
وقد ذكّرني مقال فريدمان بمسابقات مزاين الإبل، واختيار أفضل تيس وأجمل نعجة، وهذا ربما لا بأس به كتسلية، ولكننا نصبح دولة بائسة عندما نعطي التيس أهمية أكبر من التعليم! كما ذكّرني المقال بما سبق أن ذكرته في محاضرة للأستاذ إبراهيم البليهي من أننا، كخليجيين، لا يمكن أن تقوم لنا قائمة والنفط موجود، وأن الحاجة هي التي ستجعلنا ننهض! ولكني اكتشفت أخيراً أننا في خضم شراهتنا للصرف، وإهمالنا التعليم، وجمعية معلمينا خير مثال، فإن النفط سينضب بأسرع ما كنت أتصور، وبالتالي لا حاجة لحرق آباره! وتساؤلي قبل الأخير هو: لماذا يهتم البعض كل هذا الاهتمام بتوفير أفضل التعليم لأبنائه، ولو على حساب راحته، وتفشل الحكومة في توفير الأمر ذاته لأبنائها، على الرغم من أن مواردها وقدراتها أعظم بكثير؟ وأخيراً: ألم يحن الوقت لنصحو من «سكرة البترول»؟