لا شيء يدوم.. لا شيء!
فاز المناصرون والمنتمون للأحزاب الدينية ومن الجماعات المعارضة «للحكومة» فوزا واضحا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وهذا ما كان ليحصل لو كانت السلطة أكثر إدراكا للوضع. فوصولهم بهذا الزخم الواضح، وبنسب غير مسبوقة ليس إلا نتيجة أمرين اثنين رئيسيين، إضافة الى أمور ثانوية أخرى، الأول يعود الى فشل الحكومات المتعاقبة، بسبب تخلف المناهج الدراسية، وعلى مدى أربعين عاما، في خلق مواطن ينتمي الى وطن حر ومستقل، وليس منتميا أو منحازا أو حتى متعاطفا مع قبيلته، التي أصبح مجرد الحديث عنها خطا أحمر، أو عن طائفته، وخطها الأكثر احمرارا. وقد أوضح عالم الاجتماع علي الوردي في كتابه عن شخصية الفرد العراقي «والتي أصبحت بسبب سوء مخرجات التربية لدينا صالحة لأن تنطبق على الفرد الكويتي»، كيف يتحول الدين أحيانا في السياق الطائفي الملتهب إلى هوية مغلقة ومجردة من أي التزام أخلاقي، وتوصل إلى أن الإنسان العراقي «أقل الناس تمسكا بالدين، وأكثرهم انغماسا بين المذاهب الدينية، فتراه ملحدا من ناحية وطائفيا من ناحية أخرى» (علي الوردي: شخصية الفرد العراقي، ص 47). فلو لم يبد المتشددون الشيعة كل هذا الانحياز لطائفتهم، لما اضطر مناوئوهم من المتطرفين السنة إلى وضع خلافاتهم العميقة جانبا والتكتل ضدهم، والعكس صحيح طبعا، فصعب ان نقول ان كانت البيضة قبل الدجاجة أم العكس!
أما الأمر الثاني فيتعلق بفشل الحكومات، خاصة حكومة الشيخ ناصر المحمد الأخيرة، التي بلغ فيها الفساد على مدى سنوات مبلغه، في تحقيق أي إنجاز أو تنمية تذكر. وبالتالي كان طبيعيا نجاح من حاربوها وعارضوها، والدليل فشل، أو عدم ترشح، جميع، إلا واحد، من النواب السابقين الذين خضعوا لاستجواب النيابة، بسبب تضخم أرصدتهم البنكية بصورة مفاجئة!
والآن هل هناك أمل في تغيير الوضع؟ الجواب بنعم صعبة ومشروطة بأمور ثلاثة:
أولا: غربلة المناهج الدراسية بشكل جذري وجعلها أكثر ليبرالية، وأقرب الى العلمانية، وتجسيد الانتماء للوطن قبل القبيلة والمذهب والعائلة.
ثانيا: تطبيق القوانين على الجميع، دون تمييز، وحتى على ابناء الأسرة.
ثالثا: العودة الى الدولة الدستورية، التي أصلا لم توجد إلا لسنوات قليلة! وهذه هي الأكثر صعوبة.