الكوكاكولا
قامت شركة «كوكا كولا» أخيراً، وبعد 86 عاماً، بنقل مكان حفظ خلطتها السرية الى مقر جديد يمكن للجمهور الاطلاع على طريقة حفظ واحدة من أكثر العلامات التجارية شهرة وسرية في العالم، والتي كتب موادها ومقاديرها جون بمبرتون عام 1886، أي قبل 125 عاماً، ولم يدونها بل حفظها، وبقيت من دون تدوين لأكثر من 80 سنة! وانتقل حق الخلطة والإنتاج لأسا كاندلر عام 1891، ومنها تطور إنتاج الشركة وكبرت أعمالها لتصبح ليس الأشهر والأوسع انتشارا في العالم فقط، بعد ان بلغت قيمة علامتها التجارية أكثر من 50 ملياراً، أكرر 50 مليار دولار، بل وبعد أن أصبحت ايضا رمزاً للرأسمالية الأميركية وثقافتها الجديدة! ولو نظرنا الى ما حققته الكوكاكولا من نجاح تجاري، وما رسخته من ثقافة استهلاكية ورمز سياسي، لوجدنا ان أياً من هذه «الانجازات» الهائلة لم يكن ضمن أكبر أحلام من وضعوا الخلطة ومن اشتروها تاليا، أي بمبرتون وكاندلر، ومن جاء بعدهم هم الذين حولوا فكرة مشروب بسيط ومتواضع الى فكرة تجارية وسياسية عملاقة لم ير لها العالم مثيلاً، ودافعهم كان تحقيق أقصى الأرباح والمنافع لحملة أسهم الشركة وعلامتها التجارية، وهو الدافع نفسه وراء نجاح أي فكرة تجارية أو سياسية، أو حتى عقائدية، فالشيوعية فشلت في نهاية الأمر لأن عدد من كان يستفيد منها تناقص كثيراً في سنواتها الأخيرة، فكان لزاما عليها ان تختفي، على الرغم من كل ما قيل وكتب عن «انسانيتها» وكيف انه يمكن عن طريقها القضاء على نوازع الشر عند الكثير من البشر وجعلهم، ماديا على الأقل، متساوين، وهذا ربما ما كان يدور في رأس كارل ماركس ولينين، ولكن من جاء بعدهما هم الذين روجوا للفكرة وأوصلوها الى لعالمية، بعد ان رأوا ما يمكن ان يحققوه من نفع مادي وسياسي لانفسهم، وهو الأمر الذي لم يكن حتما يدور بخلد لا ماركس ولا لينين، ولو تمعنا في الطريقة الباذخة التي عاشها، ولا يزال يعيشها، قادة وأعضاء المكتب السياسي لأي حزب شيوعي، من وارثي الآباء المؤسسين، لوجدنا انه لا يختلف كثيراً عن المستوى الذي كان يعيشه القياصرة والملوك الذين سبق ان انقلبوا عليهم، كما لو تمعنا في الحياة المرفهة التي يعيشها «اكليروس» الكثير من الأديان، لما وجدنا في مستوى معيشتهم وطريقتها ما يتفق أو يمت بصلة لما بشر به انبياؤهم من تقشف وبساطة عيش! وبالتالي فالفائدة أو المنفعة الشخصية، أو القبلية العائلية، كانت، في الغالب الأعم، المحرك الأهم وراء نجاح الكثير من الأنشطة السياسية والعقائدية وغيرها، ويصح القول كذلك ان السبب في فشل الكثير من الأفكار أو المشاريع الدينية والعقائد، لم يكن سوء فكرتها، بقدر ما كان بسبب افتقارها الى مروجين ومسوقين جيدين!