مغارة الجمعيات السرية

ذكرت في مقالات سابقة أن ما استطاعت الجمعيات الخيرية جمعه خلال العقود القليلة الماضية تجاوز عشرات «مليارات» الدولارات، وأغلبية تلك الأموال لم تصل إلى الغايات التي جمعت من أجلها، إلا في أضيق الحدود!
وبالتالي، لم تقم وزارة الشؤون تالياً بمنع جمع التبرعات أو دفعها للمحتاجين نقداً، وتشديد الرقابة عليها، ومنع تأسيس الجمعيات الخيرية والانضمام إليها لغير حسني السيرة والسلوك، وبشهادة رسمية، إلا لشكها الكبير في النوايا السياسية والمالية لأغلبية «القائمين عليها»، بعد يقينها من أن بعض مؤسسيها حققوا لأنفسهم ثروات ضخمة، ولم يعرف عنهم يوماً الثراء، وكان أحدهم يعمل «راقياً»، وطارداً للجن، مقابل عشرة دنانير للجلسة، وتسببت إحدى جلساته في موت الممسوس مع الجني الذي تلبسه!
***
ما لاحظته في لبنان وجود ظاهرة، توجد غالباً ما تماثلها في كل المجتمعات الشيعية، رجال دين أو غيرهم «مكلفين» بتسلّم أموال الخمس وتحويلها إلى المراجع الدينية التي يمثلونها. وعند وفاة أحد هؤلاء الجباة أو «الوكلاء الشرعيين»، تبقى الأموال التي سبق أن جمعها ضمن تركته، ولا يمكن إعادتها إلى طبيعتها بغير موافقة الورثة، وغالباً ما تبقى معهم، لصعوبة الفصل بين أموال المتوفى الخاصة وبين ما تلقاه كخمس!
***
أما في المقلب الآخر، فإن أموال الخيرات تجمع من قبل الجمعيات الخيرية، وكانت لسنوات تودع في حساباتها المصرفية أو تحتفظ بها نقداً. وكانت لسنوات لها حرية التصرف بما كانت تجمعه، فلا رقابة حكومية، ولا جمعية عمومية، ولا حتى مراقب حسابات، غير ضمير «القائمين عليها»، وفي الأغلب «واسعاً جداً»!

مع تزايد الضغوط الخارجية المطالبة بمراقبة أموال الجمعيات الخيرية، خصوصاً من قبل الأميركيين، بعد أحداث 11 سبتمبر، وثبوت تورط «البعض» في تمويل منظمات إرهابية، تغير الوضع، وأصبحت جميع الجمعيات الخيرية تحت المجهر، فدفع ذلك بعضها إلى تغيير «تكتيكاتها»، بعد أن أصبحت غير قادرة، كما كان الحال سابقاً، على التوسع في تمويل أية أنشطة «خيرية أو عكسها»، أو شفط نسبة القائمين عليها لأنفسهم، ولا تمويل أية جهة لا ترى الشؤون صحة التبرع لها، فتحولت أموالها لاستثمارات عقارية وتجارية مسجلة بأسماء أفراد «موضع ثقة»، ولكن يتكرر معهم عادة ما حدث مع «جابي الخمس»، ولا مجال بالطبع لرفع دعوى استرداد هذه الأموال منهم. ويقال إن لدى إحدى الجمعيات 25 بناية استثمارية مسجلة بأسماء أفراد منتمين إليها! وسبب لجوئها إلى هذا الأسلوب هو للتحوط من قيام الحكومة يوماً بمصادرة أرصدتها المصرفية.

ومعروف عالمياً، ولدى الكثير من الحكومات، أن جزءاً ضخماً من أموال الإخوان يدار من قبل «يوسف ندى»، لعجز حزب الإخوان عن فتح حسابات مصرفية باسمه في مصارف دول آمنة، إلا في أضيق الحدود. كما أنها أصلاً لا تريد الاحتفاظ بأية مبالغ كبيرة في دول معينة، خوفاً من مصادرة السلطات لها، وبالتالي ليس أمامها غير تسجيلها بأسماء المنتمين للحزب، والمخاطرة باحتمال قيام بعضهم بسرقتها، أو تحولها إلى ورثتهم، بعد وفاتهم!

ملاحظة: توفي أول من أمس المفكر المصري الكبير «سيد القمني»، عن 75 عاماً، والذي عاداه وطنه ومواطنوه وأمته لأنه حاول أن يوقظهم من سباتهم، فأنكروا عليه ذلك. رحل القمني بجسده، ولكن بقيت أفكاره ومؤلفاته القيمة للأبد.

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top