«البدون» والوزير

أعتقد أن «البدون»، أو المقيمين بصورة غير قانونية في البلاد، والذين لا تخلو دولة في العالم منهم، وعبر اكثر من 40 عاما، تعرضوا، وما زالوا يتعرضون في الكويت، لظلم واجحاف كبيرين، وسبب ذلك يعود بالدرجة الأولى والثانية والثالثة إلى تقاعس مختلف حكوماتنا، والسلطة بالذات، عن وضع حل لأوضاعهم عندما كانت أعدادهم لا تتجاوز المئات، واستمر التجاهل مع ارتفاع العدد إلى عشرات الآلاف، ثم ليصل التجاهل إلى ذروته مع وصول أعدادهم، لما قبل الغزو والاحتلال الصدامي، ما يقارب المائتي ألف، قبل ان ينحسر حاليا لما يزيد قليلا على المائة ألف! ولا اعتقد أن أي مواطن عاقل، حتى وبعد مرور كل هذا الوقت، يعتقد أن بالإمكان منح جميع هؤلاء جنسية الدولة لكي تنتهي معاناتهم مرة وإلى الأبد، ففي المسألة تعقيدات كثيرة واختراقات وتحفظات أمنية وأخلاقية وسياسية عميقة، تساوي إن لم تزد على حجم كل الظلم والإجحاف اللذين لحقا بهؤلاء، وبالتالي ليس هناك من حل، حسب ما هو واضح، غير السير قدما في الاجراءات التي يتبعها الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية، والتي كانت بدايتها منحهم العلاج والتعليم المجانيين، وإصدار شهادات الميلاد، والوفاة لهم (ربما كنا الدولة الوحيدة التي لا تعترف بمن يولد أو يموت على ارضها)، والاعتراف بعقود الزواج بينهم، وبين غيرهم، وغير ذلك من الخدمات والحقوق الإنسانية الأساسية التي لا يمكن تصور معيشة إنسان بكرامة من غيرها! ويعتبر منح هذه الامتيازات والخدمات لهؤلاء خير دليل على مدى عدم إنسانية الطريقة التي عوملوا بها طوال الفترة السابقة، علما بأن الوضع لم يتغير لمصلحتهم لولا الجهود الخيرة لأطراف عدة! وبالتالي نعتقد ان ليس هناك من سبب يدعو «البدون»، حاليا على الأقل، للتظاهر، بل يجب عليهم العمل بصورة إيجابية أكثر والتعاون مع وزارة الداخلية، من خلال اختيار لجنة تمثلهم للتفاوض مع الجهات المعنية! أما ما يحدث الآن من تظاهر وفوضى واعتصامات وتعطيل وعرقلة لمصالح الناس، واشغال لطاقات وقوى الأمن، فلن يسرع، باعتقادنا، كثيراً في حلحلة أوضاعهم، خاصة أن وزارة الداخلية تعاملت حتى الآن مع المقيمين بصورة غير قانونية بطريقة تتسم بالحكمة، وسمحت لهم بحرية التعبير عن آرائهم وعرض مطالبهم كاملة وايصال صوتهم الى من يعنيه الأمر، ونقصد هنا الحكومة ووزير الداخلية، الذي تبنى مشكورا قضيتهم. كما أعتقد أن بتعاونه مع الجهة المعنية الأخرى سيصل لحلول كثيرة من شأنها رفع مستوى معيشة هؤلاء بيننا ومنح المستحقين منهم، وما أكثرهم، جنسية الدولة!

الارشيف

Back to Top