العثيمين.. والتصاعد والانهيار
منذ عقدين إلا قليلاً، وأوضاعنا في تدهور باتجاهين متضادين، وهذا لم يحصل منذ قيام الكويت الحديثة قبل مئة وخمسين عاماً.
ففي جانب، نرى وبوضوح تام تصاعداً غريباً في مستويات ومبالغ الرشوة والفساد الإداري في كل أروقة المصالح الحكومية، إلا ما ندر، وحتى هذه سيأتي دورها قريباً! ونرى مقابل ذلك انهياراً تاماً في المنظومتين التعليمية والأخلاقية بشكل لم نشهده من قبل!
***
أصدرت الحكومة قبل بضع سنوات تعليمات بتأخير مدفوعات كل الجهات التي تقدم خدمات للحكومة، ولها عقود مشتريات وتوريد وخدمات، بسبب العجز في ميزان مدفوعات الدولة. وبالرغم من كل الضغوط على الحكومة لتسييل جزء من استثماراتها في الخارج أو الاقتراض من بنوك محلية وأجنبية، فإنها اختارت عدم اتخاذ أي قرار، وترك الأمر، كالعادة، لعامل الزمن!
حدثت الكارثة خلال فترة التوقف عن سداد الدولة لالتزاماتها المالية لشركات المقاولات والمواد والخدمات، والتي قاربت السنوات الخمس أو أكثر، حيث وجد هؤلاء أمامهم أحد طريقين، إما الإفلاس، أو رشوة كبار موظفي الدولة، و«الاستعانة بجهود شرفاء النواب»!
هذا الانهيار الأخلاقي الذي حدث خلال السنوات القليلة الماضية أصبح متجذراً، وشبه علني، وعرفاً متبعاً يصعب التخلص منه الآن، فمن النادر أن تجد جهة حكومية، وهي بالمئات، لا يطالب من فيها بعائد أو فائدة مقابل تمرير معاملة، مالية أو غيرها. وحتى مع زيادة موارد الدولة مؤخراً نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، وتزايد قدرة الدولة على السداد، إلا أن ذلك أتي متأخراً جداً، وأصبح الفساد جزءاً من العمل الحكومي!
***
في الجانب الآخر، نرى تدهوراً متسارعاً ومتواصلاً في قطاع التعليم، بحيث وصل تصنيف الكويت إلى مستويات متدنية، وهذا ما يلمسه أساتذة الجامعات في نوعية المخرجات التي تفد إليهم من الثانويات، ومدى تدني مستوياتهم لدرجة مبكية، هذا غير افتقادهم، تقريباً، كل المهارات الأساسية، دع عنك الفهم والمنطق!
تقول الأستاذة «إقبال العثيمين»، في مقال مميز لها عن التعليم، إنها واجهت أمراً غير مسبوق عندما اضطرت لإعطاء درجة الرسوب في إحدى الشعب لـ %100 من طلبتها!
ما أحزنها أكثر حجم تدخلات أولياء الأمور والمسؤولين في اليوم التالي، طالبين منها تغيير النتيجة!
تعتقد الأستاذة إقبال بأن السبب وراء هذا التدهور يعود إلى فساد قطاع التعليم الذي هز الثقة الاجتماعية بالمنظومة التعليمية، وفاقم عدم المساواة، ودمر التنمية، مع انتشار الغش، والرشوة، والتعيينات غير القانونية والعشوائية، وزيادة أعداد المعلمين غير المؤهلين، والتلاعب بالعطاءات والترقيات.
كما أن الطلاب أصبحوا يشعرون بعدم الحاجة إلى الدراسة، طالما أن النجاح مضمون في كل الأحوال. كما تكونت لدى قطاع كبير منهم قناعة بأن النظام يعمل بطرق فاسدة، وأن الرشوة ضرورية لإنجاز الأمور، وهي طريقة عمل ينقلها الطلاب لاحقاً إلى أنشطتهم المهنية واليومية في المجتمع.
تقول العثيمين إن لفساد التعليم آثاراً خطيرة، اقتصادية واجتماعية، يطول شرحها. كما للمعلمين التأثير الأقوى على جودة التعليم، ولكن هل لدينا ما يكفي من المعلمين الذين يمكن الثقة بقدراتهم؟
ثم تنتقل الأستاذة، وبإسهاب جدي، في وضع الحلول للمشكلة، والتي لن أتطرق إليها، لضيق المجال، ولكن لا يمكن الحديث عن إصلاح التعليم بغير إصلاح السياسة والاقتصاد، وهي عملية ليست سهلة الفهم، فما بالك تطبيقاً!
للإحاطة أكثر بالموضوع، يمكن العودة إلى مقال الأستاذة إقبال في جريدة الجريدة (13/2).
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw