الجني الحقير
يبدو من مؤشرات عدة، وغالباً بمباركة أو سكوت حكومي، أن الأمة سلّمت عقلها ومصيرها لنشطاء في الحراك الديني، ولحفنة من الجمعيات المتخمة بالأموال، ولرجال دين لا همّ لهم غير إشغال البشر بهوامش الأمور، وبالتالي لم يكن مستغرباً خروج البعض، بالصوت والصورة، وفي ريبورتاج مثير، للحديث عن قدرات الجن وأهميتهم ودورهم في حياتنا.
قبل استعراض ما قاله هؤلاء، يجب توضيح أن عدد البشر يبلغ 8 مليارات نسمة تقريباً، وكان غالبيتهم يؤمن يوماً بشكل أو بآخر بالجن، ولكن مع عصر التنوير والثورة الصناعية وتطور العلوم انحسرت هذه القناعات، وأصبح الإيمان الفعلي بوجود الجن بيننا وتعاملهم معنا مقتصراً علينا تقريباً!
وتعليقاً على ما أثاره أزهري مصري من تساؤلات حول قدرة الجن على سرقة الأموال والذهب والأطعمة، وأن لهم عالماً مثل البشر، منهم شريرون وطيبون، علّق أحد رجال الدين المعروفين بأن وجود الجن أمر مفروغ منه، ومن ينكر ذلك فهو كافر، فلديهم قدرة على التشكل في صور شتى، من بشر وبهائم، وضرب مثلاً بسراقة بن مالك الذي ظهر لقريش، قبل 1400 سنة في صورة جنّي! ولا يبدو أن لديه دليلاً أحدث من ذلك. ولكنه شكك في إيمان البعض بموضوع التلبّس!
وأكد زميل له بأن الجن يصرع الإنسان وأحياناً يؤذيه، فمنهم من يدخل فيه ويعشقه أو يفرقه عن محبيه، حقداً أو عن طريق الإصابة بالعين. ومنهم المسلم أو من أهل الكتاب، ومنهم من لا دين له!
كما يعاشر بعض الجن البشر، ويشعر الإنسان بتلك المعاشرة! وهناك رجال دين لا يوافقون على ذلك. ويقول بأن على الممسوس الصبر، والتزام الرقية الشرعية في علاجه، وهذا ما آمن به رجل دين، سبق أن سحبت جنسيته منه وأعيدت له تالياً، عندما استخدم الرقية وأرفقها بضرب الممسوس بعصاة، بغية إخراج الجن منه، ففارق المسكين الحياة!
أما أخطر ما ورد على لسان رجل دين منهم، فقد تعلّق بقدرة الجن على سرقة المال والذهب والمجوهرات، ولا أدري ما حاجتهم لها! وذكرني ذلك بحكم القاضي الذي برّأ سارق مال عام في دولة شقيقة من التهمة، لأنه أجاب عن سؤال عن الذي دفعه لذلك، فقال بأن الشيطان وسوس له!
وقال رجل دين رابع بأن فسقة الجن يتسلطون على الإنسان ويسرقون طعامه ومتاعه. ولكنه خالف من سبقه في الريبورتاج في ما ذكروه عن زواج الجني بالإنسية.
***
إن سيطرة هذه الأفكار على عقول الكثيرين، بفضل «علمائنا» مسألة مقلقة بالفعل. فهي أوهام لم يقبلها العلم ولا العقل السليم، وليس هناك من يمتلك برهاناً على صحتها، فلماذا يتفرّغ الجن والعفاريت لركوب أعداد محددة من المسلمين وحدهم؟ ولماذا لم يثبت يوماً احتلالهم لأجساد يابانيين أو صينيين أو ملاحدة ملاعين؟
***
إن على الحكومة، بأجهزتها، ومجلس الأمة بسلطاته التشريعية، منع ترويج مثل هذه القصص وإصدار تشريعات تغطي الثغرات القانونية. فليس من المعقول الإيمان بمثل هذه القدرات للجن على السرقة، وتلبسه للإنسان، وفوق ذلك عدم معاقبة من سرق إن تعذّر بأن الشيطان ضحك عليه! فلو قُبض على سارق ووُجدت المسروقات في بيته وأنكر علمه بها، وادّعى أن الجن ربما خبأوها عنده، فهل سيعاقب، خاصة مع الإيمان بقدرة الجن على القيام بذلك، فكيف يمكن الردَّ على ذلك الادعاء الذي يمكن أن يدعيه أي متجاوز؟
وهل هناك تشريعات وقوانين تتعامل مع سرقة الجني من الإنسي؟
ألا يتطلب الأمر صدور تشريعات تسد هذه الثغرات؟
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw