لا تتجاهلوا الأخت «موديز»!
تعلمت من تجربتي المصرفية أن أول سؤال يجب توجيهه لطالب القرض هو تحديد مصادر أمواله، وكيفية سداده للقرض؟ وما ينطبق على الأفراد ينطبق على الشركات والبنوك والدول. فقبل استثمار المصرف أمواله في دولة أخرى أو إقراضها لشركة أجنبية، فإن عليه معرفة حقيقة قدرتها على السداد، وبحكم محدودية قدرات الكثير من الدول والبنوك في الإلمام بكل ذلك، فإنها تلجأ إلى «وكالات التصنيف الائتمانية» للحصول على المعلومات.
لقضية الاقتراض أهمية عالية في العالم الرأسمالي، المعقد والواسع، كونه عصب النظام، لذا وجدت الحاجة إلى تنظيم عالم الديون وخلق مؤسسات، محلية أو عالمية، بإمكانها السؤال والبحث، حتى مخابراتياً، والوقوف على الملاءة المالية لطالب الدين، أو المدين تالياً، وقدرته على السداد المنتظم للأقساط، أو سداد كامل الدين في موعده، كي لا يفاجأ المصرف المُقرض أو الدولة المُقرضة بأن من استدان منها لا قدرة له على السداد!
تقوم وكالات التصنيف الائتماني agencies credit rating بنشر تقاريرها حول البنوك أو الشركات الكبرى، أو الدول، وهو الجانب الأهم والأكثر حساسية، فعلى تقاريرها تترتب أوضاع إيجابية أو سلبية في ما يتعلق بقدرة دولة ما على الاقتراض من السوق الدولي أو اتجاه الاستثمارات لها، أو نسبة الفائدة التي تحتسب على قروضها، فكلما زادت المخاطرة زاد سعر الفائدة، وهو يشبه بوليصة التأمين، وكلما زادت المخاطر زاد قسط التأمين! ومخاطر إقراض الدول تتعلق بأمور، مثل الاستقرار السياسي والأمني، وتأثير ذلك على الوضع الاقتصادي، والقدرة على سداد الديون، في المديين القصير والطويل، وسجل الدولة في السداد، وغير ذلك.
تحقق شركات التصنيف الائتماني دخلها من اشتراكات الدول والمؤسسات المالية مقابل تزويدها بمعلومات مفصلة وذات طبيعة سرية وقريبة جداً من الحقيقية. وتقوم الشركات والدول بتحسين وضعها بناء على تقارير مؤسسات التصنيف، لتكون جديرة بالثقة الدولية.
***
تسيطر ثلاث مؤسسات أميركية عملاقة على %95 من سوق إصدار تقارير الائتمان عن المؤسسات والدول، وهي موديز، وستاندرد آند بورز، وفيتش، وجميعها تقريباً تجاوز عمرها المئة عام، ولكن لم تكتسب أهميتها إلا قبل 50 عاماً، يوم اعترفت بورصة نيويورك عام 1975 بجدواها ومصداقيتها، وفرضت وجودها بسبب الحاجة لخدماتها، فعملات الكثير من الدول ترتفع أو تنخفض بناء على تقارير هذه الوكالات، إضافة لتدفق الاستثمارات على دولة ما أو خروجها منها.
من المفترض أن تقارير وكالات التصنيف الائتمانية فنية ومحايدة، ولكن الممارسة أثبتت أن بعض هذه التقارير، وفي بعض الأوقات، كانت مسيسة، وصدرت وفق إرادة القوى الكبرى.
كما أن هناك أيضاً وكالات لتصنيف مستوى الجامعات، وأخرى لتقييم مستوى الفنادق، ورضا ضيوفها عنها، وأخرى للمطاعم، إضافة لوكالات مراقبة مستوى الحريات في دول العالم، والحريات الصحافية، ودرجة الشفافية ودرجة الفساد، وإلى آخر ذلك من أنشطة تتطلب التصنيف والمراقبة. ومهما أثير من شكوك حول نزاهة بعض هذه الوكالات أو خضوعها للابتزاز وإمكانية شرائها، فإنها تبقى أفضل من لا شيء، بسبب قدراتها، التي يصعب إنكارها، على قراءة المستقبل والتنبؤ بما ستكون عليه الأوضاع الاقتصادية مستقبلاً، وتجاهل حكومتنا لتقارير الوكالات العالمية، لا يعني أنها غير صحيحة، أو أن تصرفها سليم!
https://www.alqabas.com/article/5883753 :إقرأ المزيد