الصمت عن جرائم المتطرفين الهندوس
لا تكترث وسائل إعلام دولة ما بأخبار غيرها، ولكن اهتمام الدول الصغيرة والضعيفة بأخبار الدول الكبرى والغنية أكبر من اهتمام الأخيرة بأخبار الدول الفقيرة، إلا ما ندر، وهذا من طبائع البشر!
***
ليس غريباً ملاحظة انغماس وسائل الإعلام الغربية بموضوع النشاط المتزايد لليمين المتطرف في العالم، مع التركيز على خطورة الأمر في دولهم وجوارها، والتخويف من تمدد هذا اليمين المتمثل في «فلاديمير بوتين» و«فيكتور أوربان» وغيرهما، وما أظهرته من هلع من إمكانية وصول الفرنسية اليمينية «ماري لوبان» للرئاسة!
من جانب آخر، لا نجد اهتماماً من الإعلام الغربي نفسه بما يحدث لمسلمي الهند، على يد اليمين الهندوسي المتطرف فيها، بقيادة حزب جناتا الحاكم، الذي بفضله تزداد شعبية رئيس الوزراء «مودي» يوماً عن يوم، منذ أن تسلم الحكم عام 2014، وخاصة بعد أن بلغت أعمال العنف ذروتها مؤخراً بشكل لم تشهده تلك الدولة منذ استقلالها في أغسطس 1947، وهي الدولة التي طالما اشتهر شعبها بميله للروحانيات والتسامح والمحبة والسلام، والتي انطلقت منها أسس حركة اللاعنف على يد العظيم «المهاتما غاندي».
لمنظمة rss أو «منظمة التطوع الوطنية»، وهي حركة يمينية قومية هندوسية، شبه عسكرية، وتعمل كمظلة لعدد آخر من المنظمات المتطرفة التي تنتشر في مختلف الولايات الهندية، دور في اشتعال التوتر منذ أن تأسست في 27 سبتمبر 1925، بقيادة كانت معجبة بالمثالين النازي والفاشي، ولكنها لم تكن تعادي تاريخياً الوجود الاستعماري الإنكليزي، لأسباب يطول شرحها، فتاريخها معقد ومملوء بتفاصيل مرعبة!
بلغ عدد أعضاء المنظمة مؤخرا ستة ملايين، وهو في تزايد مستمر. وكان الدافع الأولي لتأسيس الحركة، كغيرها من الحركات المتطرفة التي ظهرت في تلك الفترة، مثل النازية والفاشية وحركة الإخوان المسلمين، هو الرغبة في العودة إلى عصر ولّى، وتوحيد المجتمع الهندوسي، والترويج لمُثُل دعم ثقافة محددة، وترسيخ قيم مجتمعه المتحيزة، ونشر أيديولوجية خاصة، وأصبح لهذه المنظمة مع الوقت حضور قوي وبارز، وتتبعها منظمات عديدة أصغر منها ومدارس وجمعيات خيرية ونواد، وجميعها تسعى إلى نشر معتقداتها الأيديولوجية، المعادية لغير الهندوس، وضد المسلمين بالتحديد.
وعلى الرغم من أن المنظمة تعرضت للحظر خلال الحكم البريطاني للهند، ومرات بعد الاستقلال، خاصة بعد قيام المتطرف «ناتورام جودسي»، العضو السابق في rss، باغتيال الزعيم «المهاتما غاندي»، إلا أنها بقيت صامدة، وقويت كثيراً بعد قيام مؤيديها بهدم مسجد بإبري التاريخي عام 1992.
***
إن ما يحدث من أعمال عنف في المدن الهندية، وخاصة في ولايات محددة اشتهرت تاريخياً بمعاداة الهندوس فيها للمسلمين، أمر لا يجب السكوت عنه، فقد بلغ في أحيان كثيرة درجة التطهير العرقي، أو بالأحرى «الإبادة الجماعية»، أو بالهندية narasanhaar المجرمة في العالم أجمع، ويجب أن تتخلى الحكومة الهندية عن موقف اللامبالاة، وتتصرف بشكل حازم مع حكومات الولايات التي تشهد اضطرابات عرقية ودينية، وتحاكم المسؤولين في قوى الأمن فيها على تقاعسهم في منع وقوع المذابح وتخريب ممتلكات الأقلية المسلمة، وأن تطلب من الجيش والقوات الفدرالية، التدخل وإعادة السلام لتلك المدن، وتقديم كافة الجهات المتورطة للمحاكمة!