العامل الألماني والمدير الكويتي

في عام 1964 وقعت عيني، وأنا أتصفح مجلة الجغرافيا الوطنية، national geography على صورة مثيرة للتساؤل لعامل ألماني كبير في السن يدير آلة ضخمة، وبجانبها طاولة خشب عليها مجموعة من العلب الملفوفة بأوراق وأشرطة الهدايا.
بين التعليق تحت الصورة أن ذلك اليوم هو الأخير لذلك العامل، بعد أربعين عام عمل في المصنع، وأن زملاءه طلبوا منه التوقف عن العمل خلال فترة الغداء ليتمكنوا من الاحتفال بتوديعه، ولكنه رفض طلبهم، وقال بأن فترة الغداء هي لراحته، وأن وقته بعدها هو ملك المصنع، وإن عليهم، إن أرادوا الاحتفال معه، انتظاره إلى نهاية الدوام. تأثر زملاؤه بموقفه الصادق والصارم وقرروا احترام رغبته، وانتظاره حسب رغبته في احترام العمل، حتى بعد أربعين عاما من العمل، وهذا هو التطبيق الصحيح للأخلاق، وليس الذي نراه عندنا. فما إن يتولى مدير أو مسؤول في مصنع أو هيئة أو جامعة، غارقة في التخلف والفوضى حتى نجده يخصص أيام عمل كاملة «لتلقي التهاني»، وهو بالكاد يعرف أسماء موظفي مكتبه والطريق إليه، بدلا من تأجيل الاحتفالات لحين انتشال مؤسسته من الدرك المتدني الذي وجدها فيه! ولا أدري لماذا يحرص مدير أصلا على قيام من لا يعرف من أفراد الشعب للحضور للجامعة لتقديم التهنئة له؟
***
تقليد أو عرف أو طقس تقبل المسؤول الجديد التهاني بتولي المنصب لم يكن يوما متبعا في الجامعة، ولكنه أصبح الآن سابقة وسيتطور مع الوقت ويصبح عرفا، وسينتشر وباء «العجاف» والمجاملة ويترسخ في مؤسسة تعلمية تعلم الأخلاق الحميدة، أو هكذا يفترض، وقد يستفحل هذا الطقس الغريب في غالبية دوائر الدولة ووزاراتها.

يقول صديق، مبرراً ما قام به مدير الجامعة، بأن الموظفين، وفي أية جهة كانت، ومن منطلق الرياء غالبا، سيذهبون لتهنئة «المسؤول»، وتضييع وقتهم ووقته، وبالتالي من الأفضل تحديد ساعة او يوم معين لتقبل التهاني، وهذا أفضل من ترك الأمر عائما!

قد يبدو كلام صديقي مقنعاً للبعض، ولكن المسألة ليست في توقيت تقديم التهنئة بل في العرف نفسه، وضرورة وقف العمل به بتاتاً وبقرار من مجلس الوزراء، فهو تصرف عشائري بائد، ويجب ألا يسود.

كما نجد ظاهرة أخرى يتطلب الأمر صدور قرار بوقفها وتتعلق بذلك الجيش الصغير من كبار مسؤولي الدولة الذين يتواجدون في المطار لتوديع، او استقبال مسؤول، والذي ربما ذهب لدولة جارة لفترة يومين أو اقل، أحيانا!
***
ملاحظة: تمر الدولة بأزمة سياسية، والوزارة مستقيلة، وهناك حيرة في الأفق وجمود تشريعي، مع هذا وجد من يطالب بقوة بعقد جلسة عاجلة، وفريدة ووحيدة، للبرلمان بغية إقرار منحة، أو شبه استيلاء وهدر أموال صندوق التقاعد، لدفعها للمتقاعدين وإنقاذ حياة الجوعى منهم والهائمين على وجههم في الشوارع!
لا أدري لماذا أصبحت آمال وآماني وأولويات هذه الأمة بهذا التواضع المخجل؟

الارشيف

Back to Top