النور معه والظلام من دونه
عادة ما تستضيف القنوات الفضائية المميزين من الشخصيات للحديث معها. وعادة ما يكون مقدّم البرنامج مميزاً في مجاله، ونداً للضيف.
الأمر تغيّر في الفترة الأخيرة، وأصبح مقدم البرنامج ضعيفاً في معلوماته، فيضطر إلى السكوت عن أكاذيب الضيف، فيسترسل الأخير في تزييف التاريخ، وذكر أكاذيب على أنها حقائق، مدعياً أنه سمعها من قائد أو زعيم، توفي منذ سنوات، ويصبح كلامه حقيقة، مع اكتفاء المقدم، مطرباً كان أم تقياً ورعاً، بهز رأسه موافقاً، فلا يملك خبرة سياسية ولا فهماً بما يذكر أمامه، تاركاً المجال للضيف ليعيث في التاريخ تخريباً!
***
من الأمور الجميلة حرص القنوات الخليجية على استضافة متحدثين من الكويت، وكان عدد هؤلاء، تاريخياً، يعادل، إن لم يزد على عدد كل من تتم استضافتهم من دول الخليج الأخرى، مع بداية تغيير النسبة مؤخراً لمصلحة السعودية!
سبب هذا الطلب على المتحدّث الكويتي هو جرأته، بسبب هامش الحرية العريض، نسبياً، الذي طالما تمتع به في وطنه، والذي يضمنه العقد الاجتماعي الذي يربط القيادة بالشعب، وهو الدستور!
هذه الحرية، التي هي لصيقة بالكويت وشعبها أصبحت مؤخراً، في نظر البعض أمراً يجب التخلص منه، ولا يمكن أن يتحقق ذلك بغير وأد الديموقراطية، ودفن دستورها معها، بحجة أن تخلفنا وتأخرنا في كل مجال سببه الديموقراطية! وأن تقدم وازدهار شقيقاتنا سببه عدم وجود الديموقراطية، وهذا اختزال مخلّ للوضع، ولا يجب الحديث عنه أصلاً، دع عنك الإيمان به!
تأخرنا وتخلفنا المرحلي «في كل ميدان» تقريباً، بعد أن كنا في المقدمة «في كل ميدان» تقريباً لا علاقة له بدستور الدولة، فهو العماد، أو الدقل، الذي نرتبط به جميعاً، وقد يطول بعدنا أو قربنا منه، ولكن يبقى الرابط بيننا، ويجب ألا نسمح بقطعه، كما يطالب البعض!
فما حققته الكويت طوال تاريخها الحديث كان بفضل دستورها ونظامها السياسي، فالإنسان، الذي أشرنا إليه أعلاه هو المهم، وليس المباني والجسور، والعيب ليس في الدستور، بل في طريق فهم نصوصه، وطريقة إدارة الدولة من قبل الحكومات المتعاقبة!
فالديموقراطية كانت سبباً في تقدم غالبية دول العالم، وغيابها كان سبب تخلف غيرها، والاستثناءات في الحالتين لا تذكر.
وإن تم تعليق الدستور، كما يطالب البعض، وبقيت الإدارة نفسها فهل سيتغير شيء؟ الجواب «لا» كبيرة بالطبع، فلا شيء منع الإدارة نفسها من تحقيق ما تريد في فترات كان فيها «مجلس الأمة» غائباً أو مغيباً، ومع هذا لم نشاهد أي إنجاز حقيقي يذكر، سوى الصرف غير المبرر بغية إشغال الناس بالهامشي من الأمور!
اتركوا لنا دستورنا قبل أن يأتينا ما هو أكثر سوءاً، ونندم حينها على الماضي، والمستقبل، ويجب أن نعرف وضعنا جيداً وأين نقف، ونعرف عيوبنا، ونعرف إطار حرياتنا، ونعرف حدودنا، فإن ذهب الدستور فستغيب معه كل هذه الأمور، والحديث عنه يدفعنا، ولا يجرنا، لدستور جدة، فإلى مقال الغد.