من سيأتينا بـ«مشعل» التنوير؟!

يبدو أننا نمر بمرحلة دروشة واضحة، والأحزاب الدينية، المتخمة بالأموال وبالأيدي الممتدة للاستفادة منها، تعلم ذلك وتدرك معنى الصمت أو القبول الحكومي بتحركاتها، ونجدها بالتالي تحاول الاستفادة القصوى من الوضع، وتحقيق أقصى المكاسب السياسية والمالية على حساب حريات الأمة وحرية التعبير وحقوق المرأة بالذات، والمجتمع ككل. وخير شاهد على ذلك تدخلها المتطرف لدى الأطراف الحكومية المعنية لوقف أي إبداع أو عمل فني أو حتى كلمة أو تغريدة. ونشاطها الإعلامي الذي غطى الكويت برمتها، جعلها تبدو وكأنها العاصمة الدينية لدول الخليج وللنشاط الديني السياسي.
كما نرى سكوتا حكوميا مطبقا عن هوسها الرمضاني المعتاد في جمع الأموال بمختلف الطرق، ولتأتي المحاسبة وكتب الاحتجاج والشكوى من «الشؤون» تاليا، بعد أن تكون الطيور، ذات المخالب الدينية، قد طارت بأرزاقها!

كما يبدو واضحا أن جميع الدول الخليجية، ومعها مصر ودول أخرى، قررت، باتفاق صامت، على «رمي» كل ما كان يثقل كاهلها من «أعباء وترهات» عقائد سياسية دينية على أكتاف الكويت، لتكون عاصمة هذا النشاط بعد أن كانت عاصمة التنوير في الخليج! وهذا ما أصبح يحزن الكثيرين بالفعل، ويدفعهم للتحسر على «أيام زمان»، يوم كانت الكويت جوهرة منفردة تتلألأ في سماء المنطقة، وتحولت خلال فترة قصيرة لكيان حزين تملأ مآقيه دموع الحزن على وطن كان يوما جميلا، بعد أن استباحت قوى الظلام جماله وبراءته وسابق رائع ابداعاته!

***

تحتاج الكويت، لكي تعود لسابق عهدها، لمن يحمل «مشعل» التنوير، ويخلص الأمة والوطن من نير فتاوى القرون الوسطى وارهاصات عهود الظلام التي جثمت على صدرها، ويقودها لطريق النور والتقدم، بعيدا عن سيطرة الأحزاب الدينية التي «فجرت في خصومتها»، وأصبح اجتثاثها، وهي الفاسدة حتى النخاع، ضرورة قصوى.

***

التنوير عبارة عن مجموعة من الأفكار التي تركز على سيادة العقل والأدلة على الحواس بوصفها مصدرا أساسيا للمعرفة، وعلى المثل العليا، كالحرية والرقي والتسامح والإخاء والحكومة الدستورية وفصل «المؤسسة الدينية» أو الكنيسة عن الدولة.

تضمنت مبادئ التنوير الأساسية الحرية الفردية والتسامح الديني، مقابل ما كان سائدا من ملكية مطلقة وعقائد دينية كنسية ثابتة.

كما تميز التنوير بالتركيز على المنهج العلمي وعلى الاختزالية، فضلا عن التركيز على الشك. وكان للفيلسوف كانت دوره البارز، حيث وصف التنوير بأنه «خروج الإنسان من مرحلة القصور العقلي وبلوغه سن النضج أو سن الرشد». كما عرَّف القصور العقلي على أنه «التبعية للآخرين وعدم القدرة على التفكير الشخصي أو السلوك في الحياة أو اتخاذ أي قرار من دون استشارة من عين نفسه وصيا علينا»، ومنها جاءت صرخته «اعملوا عقولكم، ولتكن لكم الجرأة على استخدامها! فلا تتواكلوا بعد اليوم ولا تستسلموا للكسل والمقدور والمكتوب، تحركوا وانشطوا وانخرطوا في الحياة بشكل إيجابي متبصر!»، كما حذر كانت من الطاعة العمياء للقادة أو لرجال الدين!

كما ساهم عصر التنوير في الدفع نحو تحقيق اكتشافات علمية عديدة، وساهم في جلب الحداثة للسياسة، وقدم تعريفات جديدة للديموقراطية ومؤسساتها، ووضع أساسيات الفكر الليبرالي الأوروبي، مثل حق الفرد، والمساواة الطبيعية بين جميع البشر، وغير ذلك، وأن يعيش الجميع أحرارا في مجتمع مدني، للجميع الحق في الحياة والحرية والملكية، وهي أمور تبدو اليوم من المسلمات في غالبية دول العالم، ولكنها كانت أمورا نادرة ومجهولة قبلها. كما أصبحت العبودية، التي مارستها كل الشعوب دون استثناء، محرمة ومنافية للأخلاق.

الارشيف

Back to Top