تجربتي مع الكالت Cult
أصبحت وزوجتي قبل عشر سنوات تقريباً من «أصدقاء» جماعة هندية روحانية مسالمة، تدعو لأمور كثيرة طيبة، استفدت الكثير من محاضرات كبار ضيوفها، المنتمين لها، والذين كانوا يشاركوننا «خلواتنا»، التي عقدت إحداها في مدينة قريبة من لندن، وأخرى في فندق بالبحرين، وغيرهما، ولكن بعد فترة اكتشفت أن للجماعة جانباً دينياً، وهو ما لم أرتح له فتركتهم، وما أزال أتمتع بصداقة الكثير ممن كانوا معي في تلك «الجماعة أو الـcult» ومع من كانوا، ولا يزالون، يديرون فرعها في الكويت بكل محبة ومن دون هدف مادي أو سياسي أو ديني!
***
تذكرت تجربتي مع الجماعة عندما سمعت تقريراً يتعلق بتزايد عدد الجماعات الدينية، المتطرفة وغيرها، في أوروبا، وتزايد أعداد أتباعها بشكل كبير خلال جائحة كورونا، بسبب الخوف الذي اجتاح العالم حينها، وعدم ثقتهم في مؤسسات الدولة، والصمت «الاضطراري»، الذي التزمته المؤسسات الدينية، كالكنائس، خلال الفترة نفسها!
يقول محام فرنسي بأن لا فرق قانونياً بين الأديان المعروفة وهذه الجماعات الجديدة، سوى أن الأخيرة تلاحق من يتركها، وتعاقبه، فخروج الأعضاء منها يضعفها أو بالأحرى يضعف من صورة قائدها. كما ليس هناك دين عالمي واسع الانتشار ممثل اليوم بشخص محدد يعيش بيننا، بينما لهذه الجماعات من يمثلها، وغالباً يكون مؤسسها، ورجل صاحب شخصية كاريزمية قوية، وقدرة على التأثير في غيره، وحتى دفعهم للموت بطلب منه. ورأيت شيئاً من تلك الشخصية وأنا أقرأ وأكتب مقالاً عن «شكري مصطفى»، مؤسس جماعة «التكفير والهجرة» المصرية، التي اشتهرت بخطف وقتل شيخ الدين الأزهري، ووزير الأوقاف السابق «حسين الذهبي»!
***
يكون غالبية من ينضمون لهذه الجماعات من الباحثين عن معنى في حياتهم، الخالية غالباً من الروحانيات، وحاجتهم إلى من يحميهم من عدو يكون عادة من «بنات أفكار» قائد الجماعة، كالحكومات الفاسدة، أو الكافرة أو الاعتقاد القوي بأنها تدار من قوى خفية، وغير ذلك من أسباب. فمن تبعوا «ديفيد كورش» وماتوا معه في مبنى «واكو» بولاية تكساس، كانوا يعتقدون أنه «الملهم» الجدير بالاتباع، وعند هجوم الوكالة الفدرالية عليهم اختار غالبيتهم الموت معه!
وفي عام 1978 أقدم أكثر من 900 أميركي على الانتحار في حدث هز العالم حينها، وكنت في أميركا وعشت تفاصيل الحدث، فقد قام اتباع رجل الدين المسيحي «جيم وارن جونز» مؤسس جماعة «معبد الشعوب»، بأشهر عملية انتحار جماعي في التاريخ، في نوفمبر 1978، عندما اقنع اتباعه، الذين تجمعوا في معبده في «غويانا» بأميركا الجنوبية، بأن نهاية العالم قد اقتربت، وعليهم تناول سم السيانيد طوعاً، فقامت الأمهات بإعطائه لأبنائهن قبل انتحارهن، وكان بين الضحايا 200 طفل قتلوا جميعاً بالطريقة نفسها، وهذا يبين مدى تأثير قائد الـ«كالت» على اتباعه، وقدرته المخيفة على اقناع كل ذلك العدد من الأمهات المتعلمات على تسميم أطفالهن قبل انتحارهن!
اعتبر الحادث أكبر خسارة في الأرواح بين المدنيين الأميركيين في كارثة غير طبيعية حتى أحداث 11 سبتمبر 2001!