لو كنت إسرائيلياً!
كتبت مقالا قبل أسابيع قليلة عن المضايقات أو التهميش الذي تعرض له، تاريخياً، الفلسطيني المسيحي، والذي ازدادت وتيرته وبشاعته في السنوات القليلة مع قدوم الصحوة اللامباركة. كما لم ينل السياسي أو المثقف المسيحي كامل فرصته في تمثيل القضية، خاصة في الدول الغربية، واضطر الكثير منهم للانزواء، والحسرة تملأ قلوبهم.
لم تعجب ملاحظتي عن المسيحيين الفلسطينيين من كان يوما صديقا، وهو مهندس غزاوي معروف، ووصف ادعاءاتي أو مقالي بـ rubbish!
***
تجاهلت الملاحظة، ولكن لم يطل الوقت كثيرا للرد عليه بطريقة غير مباشرة، فبعد نشر ذلك المقال بأسبوعين تقريبا تعرضت الصحافية الفلسطينية المعروفة «شيرين أبو عاقلة»، ابنة جنين، ومراسلة شبكة الجزيرة الإعلامية منذ العام 1997 لرصاصة إسرائيلية غادرة أودت بحياتها، أثناء قيامها بواجبها.
كانت شيرين أبوعاقلة من أبرز الصحافيين في العالم العربي، ومراسلة مخضرمة، ومن الشخصيات البارزة في وسائل الإعلام العربية، وسبق أن غطت مختلف الأحداث الفلسطينية الكبرى بما في ذلك الانتفاضة الثانية، وكان لها دور مهم وحيوي في تحليل السياسة الإسرائيلية. كما كانت تقاريرها الحية على التلفزيون موضع اهتمام الكثيرين.
أثار مقتلها عاصفة تعاطف شديدة معها، وصاحب ذلك موجة مرتفعة من «الاحتجاجات شديدة اللهجة»، كالعادة، في طول العالم العربي وعرضه، وجزء من العالم الإسلامي، منددين، وأيضا كالعادة، بالعدو الصهيوني الإسرائيلي المجرم والغادر.. إلخ، واعتبرتها الجماهير العربية شهيدة، وترحموا عليها في وسائل التواصل وعلى منابر المساجد، وفجأة اكتشف الجميع بعد معرفة اسم شيرين كاملا أنها ابنة «نصري أنطوان أبو عاقلة»، أي أنها مسيحية، فانقلبت مواقف الغالبية منها، وسحبوا تعاطفهم معها، ورفضوا وصفها بالشهيدة. كما تبرأ من دعائه من دعا لها بالرحمة، بحجة أن الرحمة لا تطلب إلا لمسلم، وهي مشركة وكافرة! وشارك في جوقة الرفض رجل دين كويتي معروف بسفيه آرائه المتطرفة، حيث غرد، أو أفتى، بأنها ليست شهيدة، وتعامل معاملة الكافر ولا يجوز الترحم عليها!
***
لو كنت إسرائيلياً لما وجدت أفضل من قصة أو مأساة شيرين أبوعاقلة مثالا على أننا شعوب لا تستحق، على الأقل، الاحترام! ولما ترددت في الترويج للموقف المخجل الذي وقفته «الفرقة العربية المؤمنة والناجية» من قضية وفاة مواطنتهم، وكيف رفض السواد الأعظم من الشعب العربي الأبي اعتبارها شهيدة، وكيف أنها لا تستحق حتى مجرد الترحم عليها، علما بأنها مجرد كلمة ليس معروفا إن كانت ستقبل أو ترفض، فكله بعلم الغيب.
فإذا كانت هذه الأمة «تستخسر»، أو تبخل على مواطنة عربية دفعت حياتها ثمن وقوفها مع قضية وطنها، مجرد كلمة «شهيدة» أو حتى الترحم بكلمة طيبة عليها، فكيف يمكن أن يكون موقفهم من أعدائهم! وبالتالي من حق الاسرائيلي التساؤل إن كان من الحكمة الثقة بنا، وعقد صفقات «سلام الدولة الواحدة» معنا؟
الموضوع شائك وطويل.. ومحزن جداً!
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw