مساجد سعاد وجوامع نجود

أحرص دائما على قراءة ما تكتب الزميلة الرائعة «سعاد المعجل»!
آخر مقالاتها كان عن «التخلّف عن إرساء قواعد وأسس الأخلاق في مجتمعاتنا»، وكيف أن التخلّف فينا وفي وعينا، وعجزنا عن التعامل بشكل منطقي وعقلاني مع شروط بناء مجتمع بشري قائم على الأخلاق، نتيجة إسرافنا في التركيز على هوامش الأمور، حتى أصبَحَت غايتنا الأخلاقية تكمن في الفصل بين الجنسين وتحريم الموسيقى والغناء وبقية الفنون، وحتى تحريم الصور الشخصية!

تتساءل الزميلة سعاد، على لسان أخ يمني، عما أنتجناه أو أضفناه للمعرفة البشرية، وكيف أن الغرب، الذي نتهمه بالضلال لأن المرأة فيه تكشف شعرها أو ذراعيها، هو الذي صنع لنا كل شيء حتى اللقاحات المضادة للأوبئة، وهذا يثبت أن قِيَمهم وأخلاقهم أفضل منا. فمن أفضل للبشرية، من اكتشف البنسلين ولقاح الكورونا، أو من كتب آلاف الصفحات عن الوضوء والاستنجاء، وشروط الطهارة؟

قد تكون هذه الأمور باعتقاد البعض مهمة لهم، ولكن ليقرؤوها لأنفسهم، ولا يجوز استخدام المال العام لتلقين الطلبة بها، فهذا ليس دور الدولة، وليس من مسؤوليتها إدخال الناس للجنة، بل مهمتها تنحصر في توفير حياة كريمة مرفّهة للناس على الأرض. ومن أراد أن يدخل الجنة فَليَصرِف من جيبه لا من جيب الدولة.

وتستطرد سعاد قائلة: إن في اليمن أكثر من 300 ألف مسجد وجامع، لكن لا يوجد مركز بحث علمي واحد، وإن هذه الجوامع احتضَنَت متصارعين سياسياً من الحوثيين والإخوان والسلف، والدولة هي من تنفِق على «حلبات» صراعهم الديني. وإن احتياجات المسلمين اليوم تبدلت وتغيّرت عما كانت عليه أيام الدعوة. فبناء مسجد حينها كان حاجة ماسة ولكنه ليس ضروريا اليوم! ولو أجرينا حسبة بسيطة في أي بلد إسلامي لوجدنا أن أعداد المساجد تفوق الحاجة لها بكثير، ولو أجرينا القياس نفسه على المدارس والجامعات ومراكز البحث العلمي في العالمين العربي والإسلامي، لتبين لنا أنها أقل بكثير من حاجة الناس الماسة لها. والتسابق على بناء المساجد يعود لأسباب مختلفة، منها كسب الأجر والشهرة، كما أن من يبنيها يسلمها للدولة لتديرها، فيتخلص من عبء الصرف عليها وهي تحمل أسماءهم للأبد!

يقول الشيخ عبدالحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر: «أغرَقَ المسلمون الأرض مساجد، ومن هنا تفرّقت كلمتهم، ولو أن هناك حاجة لمستوصف أو مستشفى أو جسر يستفيد منه الناس، وفي البلدة مسجد واحد يكفي حاجة المصلين، فلا داعي لبناء آخر!».
***
وفي جانب آخر تقول الناشطة والشاعرة «نجود الياقوت»، على موقعها بالإنكليزية: في الكويت مساجد في كل زاوية، وعدد قليل جدا من الكنائس، ولا شيء آخر. علما بأن هناك مليونين تقريبا من أتباع ديانات أخرى كثيرة، ولكن الغالبية تخفي انتماءاتها. فليس هناك مثلا معبد للهندوس!

يجادل البعض بأن هذا بلد مسلم، ولكنهم يتناسون أن هناك مثلا دولا مسيحية أو بوذية خالصة، ومع هذا سمحت للمسلمين ببناء مساجد فيها. كما أن شقيقاتنا في الخليج أكثر تسامحا منا بكثير في هذا الاتجاه، وقريبا سنرى الكنائس تبنى في كل مدن الخليج دون استثناء، ونحن بحاجة لأن نكون أكثر ترحيباً بأتباع الديانات الأخرى، فالعبادة حق لهم، كما هي حق لنا.

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top