أحلام الهيئة المرعبة

كالعادة، وللمرة الألف، لا تنتبه، أو بالأحرى تتجاهل الجهات المعنية في الحكومة احتمال وقوع الكوارث ولا تحتاط لها! رأينا ذلك في مشكلة «البدون» وعشرات غيرها، ورأيناه خلال الجائحة، ونراه الآن في الأزمة الغذائية، وتأثيرها السلبي على أسعار المواد الغذائية كافة والسلع الأخرى، مع استمرار تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وتأثيرها الخطير على المخزون الغذائي. ولم يكن غريباً ملاحظة انكشاف ظهرنا مع كل الفوضى والتسيب والفساد الذي نعيشه، وعشناه على مدى عقود، في ما يتعلق بكيفية الاستفادة من تأمين الغذاء من خلال التوزيعات العشوائية للزرائب والمزارع، والمليارات التي صرفت لدعم المياه والبذور والأعلاف، والتي أهدرت جميعها من دون نتيجة، غير إنتاج بضعة كراتين كوسة وطماطم وخيار من مزارع بعض المزارعين المخلصين، الذين يعانون من مختلف القرارات الحكومة العشوائية!
***
في خضم كل هذه المخاطر التي تواجهنا، والفوضى المستمرة منذ نصف قرن لتأمين ولو حتى شيئا بسيطا من حاجاتنا الغذائية، خرجت علينا هيئة الزراعة بـ«خطة إستراتيجية» للأمن الغذائي تمتد حتى 2035، وغني عن القول إنها لا تستحق ما صرف على وضعها من مال، فمن يصدق بوجود خطة فعالة وقابلة للتطبيق، وستنفذ حرفيا من دون تدخلات وتعيينات براشوتية من الآن وحتى 2035، ولن تتأجل أو تحرم من الصرف؟ خاصة أنها تتضمن زيادة الإنتاج الزراعي كماً وكيفاً، وإحلال المنتج الزراعي الوطني محل المستورد، وتهيئة مناخ الاستثمار في القطاع الزراعي، وهذه كانت من صميم أهداف الهيئة منذ كان المرحوم المهندس سالم المناعي مديراً للزراعة في «الأشغال»، قبل نصف قرن تقريباً!

وطبعاً أهم ما في الخطة، والذي سيسيل له لعاب بعض أعضاء مجلس الأمة، وينال موافقتهم عليها مقترح إنشاء مجلس أعلى للأمن الغذائي، وتطوير وتحديث الخيارات المتوافرة لتعزيزه، وإقامة مشروعات زراعية «عملاقة»(!!) لتعزيز المخزون الإستراتيجي وتوفير «اعتمادات مالية» للوصول للاكتفاء الذاتي (%100) من المنتجات النباتية، على الأقل!
***
الخطة ليست طموحة بل فاشلة بامتياز، فهي بحاجة إلى مئات آلاف الأيدي العاملة الجديدة، والمصدر معروف مقدماً، وكم هائل من المياه، وتربة خاصة ومهارات زراعية وخطط تسويق غير متوافرة، هذا بخلاف عوامل الجو، والأخطر من ذلك بيئة الفساد التي ترتع بها الأجهزة الحكومية المختلفة. ولو كنا أكثر كفاءة واستقامة لقمنا بنقل «الأمن الغذائي» من على كاهلنا ووضعناه على كاهل دولة أخرى، من خلال الاستثمار الزراعي والحيواني والسمكي في مشاريع مشتركة ضخمة، وغير ذلك من اقتراحات، ولكن أين الكفء والأمين ليدير هذه المشاريع في بيئة أصبحت خربة حتى النخاع؟

وأتذكر بهذه المناسبة المشروع الضخم لاستزراع وتربية الربيان في احدى مدن الساحل الإيرانية، والذي أنفق عليه المرحوم «حسن حيات» الكثير، وكان من الممكن أن يكفينا ذاتياً، ولكنه خسر كل شيء، نتيجة «تخلي» شركائه عنه، ورحل وهو ينتظر الدعم الحكومي، الذي لم يأتِ أبداً.

وإلى مقال الغد.

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top