«مدري شُو بُه»
أستمع لفيروز بشغف منذ 70 عاماً، وربما ساهم ذلك، مع عوامل جميلة أخرى، في وضع كتابي الأخير:
«70 نصاً.. في 11 سنة.. عن 70 عاماً من الولع».
والذي لا يزال في أدراج هيئة الرقابة، بانتظار الموافقة عليه.
***
سبعون عاماً وأنا أستمع لفيروز وأستمتع بولع بأغانيها، وهي تغني للحب وللطيور وجبال ووديان لبنان، والصباح الجميل، وحتى وهي تغني للحب الضائع والدموع والآلام، وبرد الشتاء، والأمسيات الممطرة. وبين كل فترة وأخرى أكتشف واحدة جديدة لم يسبق لي الاستماع لها، أو التمعن في معاني كلماتها، وكانت الأخيرة «سلم لي عليه»، التي ربما سمعتها لمئة مرة من قبل، ولكن لوهلة استوقفتني كلماتها، وبالتحديد عندما تقول «مدري شُو بُه»، فقررت البحث في النت، لعلي أجد قصة وراءها، ووجدت بالفعل شيئاً عنها ـ والعهدة على الراوي ـ وسراً وراء غرابة بعض كلماتها. فالمستمع لها يعتقد أن فيروز تبعث برسالة حب وغرام لحبيب بعيد، ولكن الأمر غير ذلك، فالأغنية كانت لابنها «هالي»!
تزوجت السيدة فيروز عام 1955 من مكتشفها عاصي الرحباني، كاتب وواضع ألحان غالبية أغانيها، وشقيقه منصور.
أنجبت فيروز صبيين وبنتا، أحدهما هو «هالي»، الذي وُلد معاقاً، عقلياً وجسدياً، والذي غيّر حياتها، فقررت يوماً أن تغني له أغنية خاصة به، ولم تطلب من أحد أن يصيغ كلماتها، بل قررت أن ترتجلها بنفسها، وقد تكون الوحيدة التي كتبتها فيروز، وبالتالي لم تلتزم فيها بقواعد كتابة الأغاني ولم تتمسك بالقافية أو الوزن، وطلبت من ابنها الآخر «زياد» أن يضع لها اللحن المناسب، وغنتها لـ«هالي»، الذي لم يسمعها، وإن فعل فلن يفهم غالباً معانيها.
قد لا تكون القصة حقيقية، ولكني أميل إلى تصديقها والانجذاب إليها، ربما لأن لدينا ابناً في مثل وضع «هالي»، فبعض عباراتها غريبة وتتضمن كماً هائلاً من الحنان، وكأن فيروز تكلم «طيفاً» وترجوه أن يذهب لابنها المعاق، الذي لا يعرف ولا يفهم ما تقوله، وقد يفهم عليه وتتمنى عليه أن يسلم على ابنها: «انت يلي تفهم عليه.. سلملي عليه سلم»!
كلمات قوية في معانيها تخترق أستاراً من العواطف البشرية الرقيقة، وغير المفهومة لغير.. الأم.
***
تقول كلمات الأغنية:
سلملي عليه.. قوله اني بسلّم عليه
بوسلي عينيه.. قوله اني ابوس عينيه
انت يلي تفهم عليه.. سلملي عليه سلم
***
قوله عيونه.. مش فجأه ينتسو
وضحكات عيونه.. ثابتين ما ينقصو
ما دري شُو بُه... وبعرف شُو بُه
مطبوعه بذاكرته... ما تبحثو... عم تبحثو
***
هيدا حبيبي.. اللي اسمي بيهمسه
تعبان على سكوته ودارسه
واضح شُو بُه... ما تقول شُو بُه
عامل حالك مش عارف.. ما تحرقصه.. بتحرقصه
***
بوسلي عينيه.. هو ومفتحهن عينيه
وبوسه بخده.. طوّل عليه.. فهمت عليا سلم
***
انا عم غنّي المذهب.. ولمّا بغني ردّوا عليه
وبعده نفس المذهب.. ولو قدرتوا زيدوا عليه
وعودوا تبقوا عيدوا الكوبليه وسلملي عليه سلم!
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw