مصر.. مثالاً!

مصر ليست دولة عادية، لا حجماً ولا مكانة ولا تراثاً، سواء للعرب أو للمسلمين، ولو كانت بها، على مدى السبعين عاماً الماضية، قيادة مستنيرة، كالحالية، على الرغم من بعض مثالبها، لأصبحت شيئاً آخر، ولكن ما حصل كان أمراً آخر.
* * *
يعتبر «الأزهر» قلعة صعبة الاختراق، وهو الذي وقف طوال تاريخه، كما حصل مع كل مؤسسة دينية، أمام أي تحديث أو تعديل لمناهج المدارس، ولتطوير التعليم بشكل عام. كما يتحكم الأزهر بأمور كثيرة بطريقة غير مباشرة، فجذوره ممتدة لكل أرضها، وهو الذي روّج مقولة «لحوم العلماء مسمومة» ومن يقترب منهم سيتسمم، وهذا ما حصل بالفعل، أما لحوم العلماء الحقيقيين، في الكيمياء والفضاء والفيزياء، فهي كالآيس كريم!
 
مصر مثالاً، لأنها تختزل بوضعها كل أسباب تدهور أوضاعنا وتخلفنا عن ركب العلم والتطور والحداثة. وهذا يمكن رؤيته أو ملاحظته في مؤشرين دقيقين، يوجد ما يماثلهما في كل الدول العربية والإسلامية، مع استثناءات قليلة جداً!

الملاحظة الأولى تتمثل في العدد المتواضع للمدارس! ففي مصر 59 ألف مدرسة فقط لتعليم شعب يتجاوز المئة مليون بكثير، ويشكو من الأمية وكل أمراض العصر، منها عشرة آلاف مدرسة دينية تتبع الأزهر!

أما الملاحظة الثانية فتتمثل في وجود 140 ألف جامع ومسجد!

المقارنة بين الرقمين يقشعر لها بدن من يهمه أمر مصر وبقية دولنا. فالفارق بين العددين كبير، والفارق في الأهمية أكبر وأكثر مدعاة للألم!

فبناء مسجد وتسليمه للدولة أو لجهة دينية عملية سهلة، ويعتقد من صرف على بنائه أنه سيكسب في الدنيا، وسينال أجراً في الآخرة. أما من يبني مدرسة فله عذاب في الدنيا، ولا أجر في الآخرة! كما أن تكلفة بناء مسجد تكون غالباً أقل من تكلفة بناء مدرسة! إضافة إلى أن إدارة مدرسة والصرف عليها عملية معقدة ومكلفة ومستمرة طوال أشهر السنة تقريباً، ولا تقارن مع إدارة مسجد أو جامع، فلا مناهج مطلوبة ولا طلبة ولا مقررات ولا كتب ولا امتحانات ولا مصاريف صيانة ولا إدارة.
***
بإمكان الحكومة المصرية مثلاً، وبجرة قلم، تحويل مباني مئة ألف مسجد إلى مدارس، فطلب العلم عبادة، مع استمرار أداء الصلوات في أكثر من 40 ألفاً منها، ولن يتأثر من جراء ذلك حتماً إيمان أي فرد، أو يقل ورع المواطن المصري! فالصلاة يمكن أن تؤدى في البيت والخيمة والشارع، كما يفعل المسلمون في شوارع الدول الأوروبية، ولكن من الاستحالة توفير التعليم لملايين الأطفال خارج مباني المدرسة وفصولها.
***
أمامنا خياران لا ثالث لهما، إما البقاء على وضعنا التعليمي الحالي. وإما التطور واللحاق ببقية العالم علمياً وأخلاقياً وبيئياً وصحياً وصناعياً وزراعياً، وهذا لا يمكن أن يتحقق من خلال المسجد، بل من خلال المدرسة فقط، فالتعليم أكبر أهمية وأكثر نفعاً في وضعنا الحالي من أي أمر آخر!

رفضنا لذلك سيجعل شعوبنا ضعيفة أكثر، وأقرب للذلة، لأننا عاجزون عن اللحاق بالعالم، وحكوماتنا ستكون قريباً جداً عاجزة تماماً عن إطعام شعوبها، دع عنك توفير المسكن والعلاج لها، أما الكرامة والحرية فستستمران في كونهما من «الرفاهية»!

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top