ما أكثر ضررهم وأقل نفعهم

يعتبر المجتمع الأميركي الأكثر محافظة مقارنة بالدول الغربية الأخرى، وتتسابق الكنائس فيها لاستغلال ذلك، وجمع ما يمكن جمعه من أموال طائلة، فأصبح رؤساؤها يعيشون عيشة الأباطرة من تبرعات السذج ومن بيع الأمل، فتملكوا الطائرات النفاثة الخاصة والمنازل الفخمة وبيوت الريف الواسعة، ولم يحاولوا إخفاء طريقة عيشهم، بل تفاخروا بها وصوروا الأفلام بداخلها، وادعى أحدهم أنه التقى بالمسيح في إحداها، وأصبح بعضهم في شهرة نجوم هوليوود!
***
وفي الخليج، لم يقصر رجال الدين والدعاة وأئمة مساجد وأغلبيتهم من ممثلي الأحزاب الدينية، ولم يترددوا في انتهاز فرصة هطول أمطار البترودولار على دولهم، مع نهاية السبعينيات، لكي يستفيدوا من اشتعال الحروب الدينية والطائفية بين ظهرانيهم، والاستفادة من الخبرات الأميركية في هذا المجال، فقد كانت حينها المثال الديني الأعلى، مقارنة بالاتحاد السوفيتي الكافر الملحد، ونجحوا تالياً في تحقيق ثروات ضخمة لأحزابهم، وكانت لهم حصتهم تطبيقاً لقاعدة «القائمين عليها»، وبعضهم زاد طمعه فنبش الحصة كلها. وهكذا ظهر بيننا المهندس الذي تعهد ببناء 100 ألف منزل لفقراء أندونيسيا، وآخر تعهد بحفر مئة ألف بئر ماء، وغرس مئة ألف شجرة مثمرة في أفريقيا، وحتى ذلك الطبيب الذي نال الحصة الأكبر من الإعجاب اقتنى لنفسه، في آخر عمره، مزرعة ضخمة لزراعة «القرنفل» في جزيرة أفريقية رائعة الجمال، وتقاعد فيها بعيداً عن ضوضاء «الأعمال الخيرية»! وسبق أن كتبنا بإسهاب عن كل هؤلاء، وعن مشاريعهم الوهمية في أغلبيتها، يوم كان هامش الحرية لا يشكو من سيف «المرئي والمسموع»، ومن هؤلاء إمام المسجد، المتواضع العلم، صاحب «المزروعات»، الذي أصبح بعد وفاته بطلاً في عيون جمعية الإخوان، ومدافعاً عن القدس، مع أنه قضى عمره مدافعاً عن الإرهابيين، ممجداً فيهم وفي الإخوان، قبل أن تنقطع صلته بهم مع قراره الاحتفاظ بمبيعات «مزروعاته» لنفسه، وما ان توفي حتى ملأت «الإخوان» الشوارع بصوره، وهي التي كانت تعاديه، في مبالغة فجة في الإشادة به، وهي التي لم تقل يوماً كلمة طيبة فيه، وهذا يعني أن تلك التظاهرة السياسية لم يكن يقصد بها شخصه، بل كانت رسالة للجهات المعنية بأنهم هنا وأنهم أقوياء، ويجب أن يحسب حسابهم في أية ترتيبات سياسية قادمة، ويكفي أن تصرف الجمعيات الخيرية، التي وقفت صراحة خلف تلك الحملة، لم يكن قانونياً، فالقانون يمنعها من التدخل في السياسة، ومن صرف أموال المتبرعين في الدعاية الحزبية، فهذه تدرج تحت أعمال النصب والخديعة التي يزاولها بعض تجار الدين. ومؤسف ملاحظة عجز وزارة الشؤون عن وقف مثل هذه التجاوزات الصارخة التي ملأت الطرقات والشوارع!
 ***
بمناسبة قرب إقامة مباريات كأس العالم لكرة القدم في قطر، بدأ أحد المستفيدين من الدين ببث رسائل مرئية ومسموعة للتبرع لجمعيته، لكي تتمكن من «تجييش دعاة» للذهاب للدوحة، وهداية مئات آلاف الكفرة للإسلام!

لقد سبق لهذا الشخص مزاولة مهنة إخراج الجن من أجساد الموسوسين، ونتجت عن إحدى محاولاته وفاة المريض نتيجة الضرب المبرح، وصدر حكم بسجنه عشر سنوات، لكنه نجح في الخروج منه. وأثناء أحداث المعارضة «كبر رأسه»، وصدرت منه أقوال، فتم سحب جنسيته، لكنه نجح في استعادتها بسعي من رجل دين. ثم اختار الصمت لينسى الناس سوء أفعاله، وعاد أخيراً إلى الأضواء ليجمع الأموال لتجييش دعاة، والوزارة المعنية تقف عاجزة عن وقفه، لأنه يعمل تحت مظلة جمعية أخرى!

وعند بعض هذه الجمعيات يسكت القانون أو يهان!

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top