يوم أصبح «بابو» الهندي.. روسياً!

انتشر على وسائل التواصل فيديو لرقص ثنائي على الجليد، مصحوباً بقصة مؤثرة عن الراقص، وكيف أسالت القصة وأداؤه المبدع دموع عشرة آلاف متفرج.
الراقص هو «بابو» (وهو اسم هندي معروف)، الذي فقد بصره عندما شب حريق يوماً في الشقة التي يسكنها مع والدته، وخوفاً على حياته قفزت به من الطابق السابع، فلقيت حتفها، وعاش «بابو» ولكن من دون بصر.

كانت والدة بابو تهوى التزلج على الجليد، وكانت تصحب ابنها معها إلى الحلبة. وعلى الرغم من أن بابو كان كفيفاً (!!!) فإنه كان قادراً على متابعة حركاتها، لامتلاكه حاسة سمع كالخفافيش!

كبر بابو يتيماً وضريراً، ولكنه أصبح مع الوقت راقصاً محترفاً على الجليد، وشارك مرات عدة في دورة هلسنكي للرقص مع شريكته، وفازا بأكثر من جائزة، وبسبب فقده لبصره فهي التي تقوده خلال الرقصة، وهو يتبعها بمهارة عجيبة، علماً بأنه عانى طوال حياته من 22 كسراً في جسده بسبب سقطته من الطابق السابع، وهو طفل.
***
لاحتواء القصة على كم من الهراء، والأخطاء الفاضحة، قمت بالبحث في الأنترنت، فتبيّن أن الراقص شاب روسي، واسمه إيفان بويكن ivan bukin، الذي ربما لا يعرف أين تقع الهند. كما أنه ليس أعمى، ولا يشكو حتى من قصر النظر، وهو الذي يقود شريكته في الرقص، وليس في جسده كسر واحد، ووالدته حية ترزق، وسمعه لا يشبه سمع الخفافيش!

السؤال: ما هي الجهات التي يمكن أن تصرف كل هذا المال والوقت في البحث عن فيديوهات محددة، واختلاق قصص وهمية حولها وتوزيعها على أنها حقائق؟ لا شك أن الأمر يتطلب وقوف أجهزة دول أو مخابرات وراء مثل هذه الأنشطة المربكة للعقل، ولكن ما هو هدف إرسالها النهائي؟

هل لتجهيلنا مثلاً، ونحن أشد جهلاً من الجهل؟

أم القصد تضييع وقتنا في قراءة وانتقاد ومناقشة محتويات مثل هذه الفيديوهات، والانشغال بها، والوقت لدينا أصلاً لا قيمة له؟

واضح أن الفيديو والقصة «المؤثرة» لا علاقة لحرف منهما بالحقيقة. كما أن هناك على الإنترنت، والواتس بالذات، مئات القصص المماثلة عن بطل الجري المغربي، وعن بطل سباق السيارات شوماخر، وعن المحتال الأميركي الأشهر «فرانك أباغنيل»، الذي ورد فيها أنه من مواليد الكويت، وسبق أن درس في مدارسها!

تعبت بالفعل وأنا أحذّر كل من يرسل مثل هذه القصص بأنها تافهة وغير معقولة، ولكن انتشارها وتصديق الناس لها بسهولة أصبح بالفعل أمراً مقلقاً، ودليل على سذاجة عقول الكثيرين ورغبتهم في تصديق أي شيء، أو هرباً من وضع معين، فمن يصوغ هذه الأكاذيب وينشرها يعرف جيداً ما تحدثه قراءتها وتصديقها من خراب وتسطيح للعقول! وبالتالي الحذر واجب، ولن يضر أبداً التوقف عن ترويج مثل هذه القصص والامتناع عن إرسالها للغير، ولن يتضرر أحدٌ حتماً إن لم يطلع عليها، ولكن ضرر إرسالها في تشويش الأفكار وإشغال العقول حتمي وكبير جداً!

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top