حمّامات شركة تاتا

تعتبر عائلة تاتا الهندية من أغنى الأسر في العالم وأكثرها تبرعا لأعمال الخير. وبالرغم من أنها هاجرت من ولاية كوجرات الهندية إلى مومبي، حيث تقطن غالبية أقلية «البارسي»، فإن جذور أسرتها تعود لإيران الزرادشية، ويعرفون في الهند بالبارسي parsi نسبة لفارس. ويعتبر «راتان تاتا» الأب الروحي للأسرة وكبيرها، فهو الذي ساهم في تضاعف ثروة الأسرة، وفوق أنه رجل أعمال ناجح فإنه فيلسوف وله آراؤه ومعتقداته التي تتميز بالكثير من حب الخير والإيمان بالروحانية التي اكتسبها من عقيدته الفارسية الزرادشتية، التي دفعته للتحلي بشعور عميق بالمسؤولية الاجتماعية اتجاه الآخرين والرغبة في تحسين حياتهم.
تعرف الشركة الأم باسم «أولاد تاتا» tata sons التي تمتلك حصصا مؤثرة في شركات مساهمة متعددة الجنسيات، ونشطة بالذات في صناعة الحديد الصلب وصناعة المركبات والمعدات وسيارات تاتا القوية والشهيرة، والتي استحوذت قبل سنوات على شركتي السيارات البريطانيتين «جاغوار» و«لاندروفر»، وبمبادرة شخصية من راتان تاتا.

تقع مصانع «تاتا للصلب» أو تاتا ستيل في 26 دولة، مع تركزها في الهند وهولندا والمملكة المتحدة، وتوظف حوالي مئة ألف مدير وعامل، ويقع أكبر مصنع لها (بسعة إنتاج تبلغ 10 ملايين طن سنويًا) في جامشيدبور، الهند.

أدار فرع الشركة في جامشيدبور في الثمانينات رجل الأعمال الأسطورة «روسي مودي». وأثناء أحد اجتماعاته الأسبوعية مع موظفي «تاتا ستيل» اشتكى ممثل العمال من مشكلة خطيرة، حيث قال إن جودة المراحيض ونظافتها للعمال سيئة للغاية مقارنة بحالة أو نظافة دورات المياه المخصصة للإدارة التنفيذية.

سأل «روسي مودي» كبير مساعديه عن مقدار الوقت الذي يحتاجه لتصحيح الأمر، فرد هذا بأن الأمر سيستغرق تنفيذه شهرًا. فرد روسي قائلا: «أفضل أن أفعل أنا ذلك في يوم واحد. وأرسل من فوره في طلب نجار المصنع.

وفي اليوم التالي، عندما جاء النجار، أمره بتبديل اللوحات الإعلانية للحمامات، حيث وضع على مدخل مراحيض العمال لوحة «حمامات التنفيذيين»! ووضع على مدخل حمامات التنفيذيين لوحة تحمل تسمية «حمامات العمال». ثم أمر مساعده بتغيير اللوحات كل أسبوعين. وخلال أيام ثلاثة فقط تغيرت جودة قسمَي المراحيض كليهما، واصبحت على قدم المساواة في النظافة والجودة!

القيادة هي أكثر بكثير من كونها عملية تنفيذية، بل هي أساسا إنسانية وفلسفية. فتحديد مشكلة ما يتطلب معرفة التفكير النقدي. لكن حل المشكلة يتطلب فقط التفكير الإبداعي.

هذه ليست مجرد قصة لكنها درس في القيادة أيضًا.

ملاحظة: قمت قبل أيام، وتأثرا بتجربة روسي، برفع مستوى نظافة وجودة حمامات الشركة كلها.

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top