عندما تطفح البراءة من أعين المفسدين
تمتلئ خطابات وخطب وكلمات البعض بكم من الكلمات الدينية، مع تكرار وإعادة استشهاد بنصوص في منتهى القوة والخلق الجميل، ولكن قلما يتحلى قائلوها بشيء منها، فما هي إلا أقوال تخرج من أفواه على اصحابها مآخذ لا تعد، خاصة إن كانوا من السياسيين! فعلى الرغم من الرفاهية المالية النسبية التي تعيشها الغالبية فإننا ربما نكون الشعب الوحيد في العالم الذي لا يتردد في ارتكاب كم كبير من المخالفات وتجاوز القانون والتعدي على الغير بغية زيادة نصيبه من الثروة، وغالبا بالطرق غير المشروعة، والتعدي بكل «فجور» على حقوق الغير، دون تأنيب ضمير، أو حتى رفة جفن، لاعتقاد مرتكبيها أن ما حصلوا أو يسعون للحصول عليه هو حق لهم، لاعتقادهم أن متاع الدنيا «غنيمة» إن لم يستولوا عليها فستكون من نصيب غيرهم، وهذه شريعة الصحراء!
فنسبة الطلبة الذين لا يترددون في الغش في الاختبارات، ومنها المواد الدينية، وضمن المعاهد الدينية، نسبة خطيرة، وهناك آباء على استعداد لاستخدام القوة وسوء التصرف، إن حاول أحد منع أبنائهم من الغش. فالمهم أن ينجح «الولد» ويتقدم ويصبح مشرعا أو قانونيا، وبالتالي الغش مشروع ولا غبار عليه، ويمكن بعدها ذهاب الجميع لأداء الصلاة «وكل شي ما بيها اَلزُّبَيْر»!
ولذا لم يتردد حتى رجال دين، يملأ بعضهم فضاء السوشيال ميديا وتلفزيون الدولة بمزعج ضجيجه وسقيم آرائه، من السعي للحصول على الشهادات الدراسية من مؤسسات تعليمية غير معترف بها أو وهمية، ومنهم ذلك الداعية الأفاق التي ادعى زوراً أنه حصل على الدكتوراه في «الشريعة» من أميركا!
لا يهمنا جهل أو علم حملة ألقاب الدال هؤلاء، ولكن يؤلمنا خطير وسيئ تأثيرهم على النشء، خاصة وأنهم، منذ ما بعد التحرير، أصبحوا نجوما تفتح أبواب كل وسائل الإعلام أمامهم وتغدق الحكومة الملايين عليهم، وتعينهم في أعلى المناصب! ولذا نرى أن نسبة الغش والتزوير والتلاعب في المجتمع، بسبب هؤلاء وغيرهم، عالية. فنسبة من يبصمون عند أبواب مراكز عملهم، ويغادرونها في اللحظة نفسها، كبيرة والسكوت عنها شجع غيرهم على ارتكاب ما يماثلها أو غيرها. فهناك غش في شهادات الزواج والإعاقة وادعاء المرض النفسي وزيادة علاوة الأولاد، وحتى التلاعب في أسمائهم الأولى وأسماء أسرهم وحقيقة نسبهم.
كما اعتادت هيئة الإعاقة، منذ عقود، على نشر إحصائيات موسمية على حالات الغش التي تكشفها، وغيرها من حالات غش في طلبات دعم الإيجار، إضافة إلى «المحظوظين من مدعي المرض»، الذين لا يمرضون إلا مع قدوم العطل، وبعضهم «شديدو الإيمان»! وفي عهد أحد وزراء الصحة، بلغت فاتورة العلاج في الخارج، أكثر من ملياري دولار، بسبب الفساد ولم تستطع يد العدالة أن تطاله بالرغم من كل مفاسده.
إن صفحات القبس لا تكفي للحديث عن حالات الغش والتلاعب على الدولة، وغالبا بمباركة من نواب ووزراء، وأمام الجميع، والمحير أن كامل الفريق الذي تورط في هذه المخالفات الجسيمة، لا يترددون في الاصطفاف معا لأداء الصلاة، وبينهم من أطاح وزراء شرفاء جريمتهم أنهم رفضوا طلبات غير الشرفاء من النواب، فقرر هؤلاء حرقهم سياسياً، وبراءة الأطفال«تطفح»من أعينهم!
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw