يوم أخجلتنا بريطانيا بإنسانيتها
ريشي سوناك بريطاني من مواليد مايو 1980، وابن مهاجرين من أصول هندية، من كينيا.
وبالرغم من كم الاختلاف العرقي والديني بين ريشي ومجتمعه البريطاني المحافظ، فإن ذلك لم يمنعه من النجاح، وأن يصبح سياسياً وعضواً بارزاً في حزب المحافظين الحاكم، ليشغل منصب وزير الخزانة من 2020 إلى 2022، وهو الأهم بعد منصب رئيس الوزراء، قبل أن يستقيل، ويجر معه وزراء آخرين، ويكونون سبباً في انهيار حكومة بوريس جونسون.
وُلد سوناك في ساوثهامبتون، وتلقى تعليمه في كلية وينشستر، ثم درس الفلسفة والسياسة والاقتصاد في كلية لينكولن بجامعة أكسفورد، وحصل تالياً على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة ستانفورد الأميركية الشهيرة، وأثناءها التقى بزوجته أكشاتا مورتي، ابنة n.r narayana murthy، رجل الأعمال الهندي المعروف ومؤسس شركة infosys لتكنولوجيا المعلومات.
قام سوناك بعد التخرج بالعمل مع شركة goldman sachs الاستثمارية الضخمة، ثم عمل كشريك في «صناديق تحوط»، ثم انخرط بعدها في السياسة، وانتُخب عام 2015 نائباً في البرلمان البريطاني، وعمل في حكومة تيريزا ماي كنائب وزير، وصوّت على الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، ودعم انتخاب بوريس جونسون رئيساً للمحافظين، وتالياً رئيساً للوزراء، فعُين وكيل وزارة للخزانة، ثم ليأخذ محل ساجد جاويد وزيراً للخزانة، الذي تعود أصوله أيضاً إلى شبه القارة الهندية. واستقال بعد تعمق خلافاته مع رئيسه على السياسة الاقتصادية، وليعلن ترشيحه لقيادة حزب المحافظين!!
***
سيرة قصيرة، ولكن باهرة، وإن اختاره حزب المحافظين رئيساً، وحظوظه تبدو كبيرة، فسيكون أول بريطاني من أصل «هندي» يشغل منصب رئيس وزراء بريطانيا «العظمى»، وسيكون ذلك حدثاً حضارياً وتاريخياً عظيماً، وصفعة على وجوه المتطرفين والعنصريين، خصوصاً من جماعتنا. وحتى إن لم يتم اختياره في نهاية الأمر، وخاب مسعاه، فيكفي أنه حصل في مراحل الانتخاب الأولى على أصوات أغلبية النواب المحافظين!
نقول، ونكرر، إن الأمور دائماً بخواتيمها. فبالرغم من تشدقنا، الكاذب غالباً، بأننا «إنسانيون»، فإن مجتمعاتنا شديدة العنصرية، قبلياً وعرقياً ومذهبياً ودينياً، وأبعد ما نكون عن الإنسانية الصحيحة والمجردة. وبريطانيا التي كانت يوماً أعظم دولة استعمارية عرفها التاريخ، وحكمت العالم من أقصاه إلى أقصاه، تأقلمت مع وضعها وتقبلت الآخر، المواطن، إن كان مميزاً بخبراته السياسية أو المالية والاقتصادية، وقبلته من دون النظر إلى توافه الأمور، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بمصالح الدولة العليا، حينها لا تتردد في إعطاء أعلى المناصب لأكثر الناس كفاءة وليس لأكثرهم «عراقة ونبلاً»، فهذه الأمور، كما ثبت مرات، لا أهمية لها في موازين العصر الحديث، ولا تعني الكثير، فالبشرية تتجه نحو المساواة، والدول التي ترفض تطبيق كامل بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كما تفعل أغلبية دولنا، مكتوب عليها أن تبقى عنصرية وفاشلة، ويمكن لمجرد زواج غير متكافئ، من وجهة نظر قبلية أو طائفية أو عائلية أو دينية، أن يشعل فيها حرباً أهلية حقيقية، وهذا قمة الجهل والتخلف!
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw