ريم بنّا.. ويا ليل ما أطولك!
دعتنا الصديقة عزة حلاوة، ملكة جمال مدينة «صُور» (1974)، إلى حضور مسرحية «يا ليل ما أطولك» على مسرح المدينة في شارع الحمرا، بيروت، الذي سمي بالحمرا لأن عائلة تحمل الاسم نفسه سكنته قبل قرون. واختارت إدارة الجامعة الأميركية عام 1866 المنطقة لتكون مقراً للكلية البروتستانتية السورية، التي تغيّر اسمها تالياً إلى الجامعة الأميركية بيروت.
***
بداية المسرحية كانت غريبة، فقد شدني أداء الممثلة القوي، وظننت لأكثر من ربع ساعة أن المرأة الوحيدة التي كانت على المسرح هي نفسها بطلة القصة، واكتشفت خطئي بعد أن عرفت من السياق أنها توفيت قبل بضع سنوات.
قبل رحيل الفنانة الفلسطينية ريم بنّا ببضع سنوات التقت في أحد مقاهي شارع الحمرا روان حلاوي، المخرجة والممثلة اللبنانية المعروفة، وأهدتها مجموعة من أغانيها ومواد صوتية خاصة بها، وبيّنت لها رغبتها القوية في أن تظهر على خشبة المسرح، وأن تروي، من خلال مسرحية تقوم روان بإخراجها، بسرد أجزاء مخبأة من حياتها. وتم شبه اتفاق على أن تقوم روان بإعداد المادة التي تحاكي فيها مواجع ريم ومراحل أساسية من حياتها.
لقاء المصادفة هذا كانت نهايته حزينة، فقد توفيت ريم قبل أن تتحقّق رغبتها في أن تكون بطلة المسرحية. وفي هذا الإطار تقول روان حلاوي: «كأن ريم بنّا حمّلتني أمانةً قبل وفاتها، خصوصاً أنه كان مقرراً أن تؤدي هي نفسها الدور. لذلك، قمت بالعمل بشكل حثيث، على مدى سنوات، لإنضاج المشروع وتقديمه للجمهور!».
نجحت روان في خداعي من خلال أدائها الجميل والرائع للدور وتأثرها الحقيقي بما كانت تقوله، وإتقانها اللهجة الفلسطينية، كما كان لدموعها دور في إقناعي بأنني أمام الممثلة وبطلة الرواية، في الوقت نفسه!
استغرقت مشاهدة العمل الفني أكثر من ساعة بقليل، قامت بالدور الرئيسي والوحيد فيه روان حلاوي، وكانت عبارة عن محطات متفرقة من حياة المطربة والملحنة والمناضلة الفلسطينية ريم بنّا (1966 ـــ 2018)، المسيحية وابنة الناصرة، وابنة الشاعرة الفلسطينية زهيرة صباغ، التي كان لها أكبر الأثر على حياتها.
درست ريم الموسيقى والغناء في موسكو، حيث التقت زوجها الأوكراني، الذي كان له دور وأثر على حياتها الفنية، ولكن العلاقة انتهت بشكل مأساوي.
وضعت ريم ألبومات موسيقية عدة وأغاني جادة وطربية للكبار والصغار، يطغى عليها الطابع الفلسطيني. كما غنت في عواصم ومدن عربية وأوروبية لا تعد. كما قدمت حفلات حية في الضفة الغربية، لتصل إلى جمهورها في غزة، لأن إسرائيل تمنع مواطنيها، المقيمين بها، من دخول غزة.
أطلق أصدقاء ريم آخر ألبوماتها، الذي ضم 15 أغنية، وجميعها تقريباً من وضعها، بعد شهرين من وفاتها بمرض السرطان، في مركز «يابوس» في القدس.
***
اندمجت شخصياً كثيراً في المسرحية، التي قام الفنان سليم الأعور بإخراجها ببراعة، وفي نهايتها طلبت منا مضيفتنا عزة الانتظار قليلاً للتعرف على بطلة المسرحية روان حلاوي، لنفاجأ بأنها فتاة لبنانية من الجنوب، وابنة شقيق عزة.
«يا ليل ما أطولك» عمل رائع بامتياز، وأتمنى من كل قلبي أن أجد تعاوناً بين الفنانة الكبيرة روان وبين مخرجنا وممثلنا الكبير سليمان البسام، فهل سيتحقق ذلك يوماً؟
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw