السكر والرقيق

يعتبر تملك الرقيق واستعباد البشر لطخة صعبة الإزالة في تاريخنا، فقد عانت كل الشعوب غير العربية في المنطقة من ويلات هذا الأمر، حيث كان كبار تجار الرقيق من العرب المسلمين، وهذه حقائق يصعب إنكارها، أو التستر عليها، فتجارة الرقيق كانت شائعة لمشروعيتها الاجتماعية والعقائدية، كما أنها كانت مربحة جدا لمن مارسها.
بقي الاتجار في البشر ضمن حدود ضيقة نسبيا إلى القرن الخامس عشر، عندما شهد تصاعدا جنونيا مع اكتشاف الأميركتين وبدأ الإنكليز بزراعة قصب السكر بشكل واسع في باربيدوس، ما تطلب أيدياً عاملة كثيفة ورخيصة. كما بدأ الأميركيون في الفترة نفسها تقريبا بزراعة القطن بكثافة عالية، ولولا القطن والسكر لما كان الرق بذلك الانتشار، ولما كان للأفارقة وجود في الأميركتين!

كان لسوء معاملة هؤلاء البشر المساكين، سواء في الطُرق التي اتُّبعت في خطفهم وسجنهم ونقلهم تاليا للمستعمرات، وما تسبب في ذلك من موت الملايين منهم في ظروف بائسة وغامضة، وأعمال السخرة التي كُلفوا القيام تالياً بها، الأثر الأكبر على السياسي البريطاني ويليام ويلبرفورس، الذي قاد حملة لإلغاء تجارة الرق استغرقت منه 20 عاما قبل أن تُكَلَّل بالنجاح مع صدور قانون إلغاء تجارة الرق في 1807 بعد أن كان الاتجار بهم قانونيا لأكثر من 400 عام.

منعت السفن البريطانية، بعد صدور القانون، من نقل الرقيق، ومعاقبة أية سفينة في العالم لا تتقيد بالقرار، وفي 1883 أصدر البرلمان البريطاني مرسوم عتق الرق ونص على تعويض مالكيهم، على أن يكون العتق تَدْرِيجِيًّا. واستمر الحال بين شد وجذب وخروقات من مختلف الأطراف إلى أن صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 وأُلغي الرق نهائيا باتفاق كل دول العالم، وبقيت بعض دولنا خارج ذلك الاتفاق لبضع سنوات قبل أن تلتزم به.

في 25 مارس 2015 شُيد نصب تذكاري بمقر الأمم المتحدة في نيويورك باسم «سفينة العودة» تخليدًا لذكرى ضحايا الرق الذي وصل عددهم لأكثر من 15 مليون رجل وامرأة عبر المحيط الأطلسي على مدار أربعة قرون.
***
سبق أن وضع الأستاذ هشام العوضي كتابا قبل عامين تقريبا عن تاريخ الرقيق في الخليج والجزيرة، وقمت في حينه بالتعليق عليه.

كما وضع الباحث المصري عماد هلال كتابا بعنوان «الرق والعتق في مصر في القرن الـ19»، طبع عام 2014، ورد فيه أن أسواق النخاسة كانت منتشرة في مصر، حيث كان بيض البشرة منهم يجلبون من المستعمرات الشركسية، وغيرهم من كردفان ودارفور. وكانت لهم أوضاع قانونية تحدد طرق معيشتهم، وأساليب شرائهم وبيعهم، وكيفية تحديد أسعارهم، وكان من المعتاد عند الشراء تعريتهم بالكامل للتأكد من خلوهم من الأمراض، وإجراء اختبارات معينة عليهم للتأكد من قوة الرجل وخلوه من العيوب والأمراض، أو للتيقن من جمال وكمال المرأة. وكان فحص أعضاء الجسد والعبث بها أمرا عاديا، وكان كل ذلك يجري بعلم مختلف السلطات، بما في ذلك الدينية.

وتجاوبا مع المستجدات العالمية في بريطانيا وأميركا أصدر الخديوي إسماعيل عام 1863 أمراً بتعقب تجار الرقيق ومنعهم من ممارسة تجارتهم، واعتقالهم، وسمح لمن حُرر منهم العودة لوطنه.

ثار المشايخ على الخديوي واتهموه بالخروج على الشرع، فحاول إقناعهم بأن إلغاء العبودية يتفق مع الدين، ولكنهم رفضوا كلامه، لكنه أصر على موقفه، وشدد من رقابته، خاصة بعدما وقع اتفاقية 1877 مع بريطانيا، التي نصت على محاربة تجارة الرقيق، وفرض عقوبات مشددة على المخالفين، ولكن معارضة الأزهر استمرت فلم يجد الخديوي بدا من تهديد شيخ الأزهر بالعزل، فأذعن الأخير، وكانت تلك بداية نهاية الرق في مصر.

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top