لا تلوموا المنفوحي.. اقرؤوا ما بين السطور!
منذ أربعين عاماً، وجبل المخالفات، من بيئة بحرية وبرية وبلدية وإطفاء وغير ذلك، يتصاعد ارتفاعه، ليس بسبب إهمال القيادات المعنية في هذه الجهات، التي يصعب عدم تحميلها جزءاً من المسؤولية، بل لعوامل كثيرة أخرى، أهمها:
1 ــ نقص القوانين والتشريعات المنظمة لكيفية التعامل مع هذه المخالفات، أو وجود قوانين متساهلة، حيث تمنع النظم مثلاً وقف أو هدم البناء المخالف، بل يستمر صاحب البيت في إضافة طوابق غير مرخصة، وعلى البلدية اللجوء إلى القضاء!
2 ــ عدم وجود «اتصال» مباشر لمسؤولي هذه الجهات مع «أعلى رأس في الحكومة» لأخذ موافقته على توقيع المخالفات الكبيرة!
3 ــ تكرر تدخّل جهات حكومية عليا، وطلبها إلغاء المخالفات، وغالباً بصورة شفهية. ولذا، اختار كبار مسؤولي الحكومة غض النظر، إلا في الحالات التي يرون فيها «ضعف حال مرتكب المخالفة»!
هذه هي الحقيقة. ولذا، نجح المرحوم الفريق محمد البدر في إزالة مخالفات على جهات لم يكن أي مسؤول آخر على استعداد للقيام بها، لأن ذلك كان الشرط الذي وضعه، وأنه سيعمل بطريقة غير تقليدية! والدليل أن كل ما قام به تقريباً عاد إلى سابق وضعه، بعد وفاته، كما توقعنا في أكثر من مقال، لعدم امتلاك من جاء بعده لقوته ولشرطه.
***
يجب أن نعترف بأن هذه «الأمة» كغيرها، من الدول العربية والإسلامية، قد اختارت الفوضى سبيلاً في الحياة، ويصعب على أغلبها إصلاح أوضاعها بسبب قدم تلك الدول وتجذّر مخالفاتها، أما نحن فحجم دولتنا صغير، وجبال المخالفات لا يزال مقدوراً عليها، فكل ما نحتاج إليه هو الحزم في التطبيق، واستمراره، وهذا لا يمكن القيام به بغير دعم كامل من القيادة «الحكومية»!
***
اكتشفت البلدية والإطفاء «فجأة» أن هناك «آلاف» العمارات والمجمعات، قد تحولت مواقف السيارات أسفلها إلى مخازن مواد خطرة على الصحة وقابلة للاشتعال، إضافة إلى استخدام السراديب للسكن والبيع وغيرها من أنشطة مخالفة! وقامت فرق حكومية في يوم واحد بتوقيع عشرات المخالفات وفي جزء من منطقة سكنية واحدة، وهذا يعني أن هناك ما لا يقل عن عشرة آلاف مخالفة مماثلة لها.
أساس هذه المخالفات الجسيمة يعود إلى النقص الرهيب في المساحات التخزينية المستمر منذ سنوات، وتردد كل الحكومات السابقة، من دون استثناء، في إيجاد حل للمشكلة، الأمر الذي دفع آلاف التجار إلى اللجوء للتخزين في سراديب العمارات، ودخلت الرشاوى عاملاً لإسكات الجهات الرقابية وتخريب ذممها!
ولكن، بماذا يختلف هؤلاء المخالفون عن الآلاف غيرهم من أصحاب السيارات، الذين يقومون بإيقافها على أرصفة منتصف الطريق وفي كل مكان مخالف، ويغلقون حتى فتحات الاستدارة، خصوصاً في مناطق السكن المسماة بـ«النموذجية»، بسبب النقص الحاد في مواقف السيارات نتيجة «موافقة الحكومة» رسمياً على تحويل مئات البيوت المخصصة لسكن عائلة واحدة إلى شقق يسكنها 40 أو 50 فرداً؟ وهذا كله نتيجة «التساهل» في تطبيق القانون، «مما خلق ضغطاً مخيفاً على خدمات المنطقة، وليس بإمكان أية جهة وضع حل لمشكلة مواقف السيارات»، ولا أعتقد أن هناك حلاً «فورياً» لمشكلة نقص المساحات التخزينية، كما أن الوضع في تفاقم مستمر!
الموضوع أكثر تعقيداً مما يعتقد البعض! ولن استغرب تدخلاً ما لوقف حملة توقيع المخالفات على أصحاب السراديب المخالفة، وترك الأمور على حالها.
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw