الأجهزة المخترقة.. والولاء المشكوك فيه
اتصل بي، بعد التحرير ببضع سنوات، صديق كان يعمل في وزارة الداخلية برتبة عقيد، وكان حينها مديراً لمكتب الوكيل، وطلب مني الحضور صباحاً إلى مكتبه لكي أشاهد ظاهرة ربما تستحق يوماً الكتابة عنها. ذهبت في الثامنة من صباح اليوم التالي إلى جناح مكتب الوكيل في وزارة الداخلية (مدرسة الصديق سابقاً)، ووجدت الأروقة والمكاتب وغرف الانتظار شبه خالية تماماً من الموظفين والمراجعين، وكان الصمت والهدوء اللذان سادا المكان مثيرين ولافتين للنظر. دخلت على الصديق وسألته عما رأيته، فلم أرَ غير ابتسامة ذات مغزى، وكأنه كان يتوقع سؤالي، ولكنه أردف بعدها قائلاً: لهذا طلبت منك الحضور في هذه الساعة بالذات!
بين السلام والتحيات وهات الشاي وصب القهوة، نسيت سؤالي، وبعد نصف ساعة تقريباً شعرت بارتجاج خفيف تحت قدمي، وصوت يشبه هبوب ريح قوية، وليست في ذلك مبالغة، فنظرت إلى الصديق متسائلاً، فلم أرَ غير الابتسامة نفسها ترتسم على وجهه، وأردف قائلاً: «لقد بدأ الفيلم»!
ما هي إلا لحظات حتى امتلأت المكاتب بالموظفين الذين مروا، جميعاً تقريباً، على مكتب المدير للسلام عليه، وغطى الجمهور الغفير من عسكريين ومدنيين الممرات والأروقة، ولم يبقَ مكان خالياً للجلوس، ثم دخل ثلاثة نواب يمثلون مناطق محددة، وأخذوا أماكنهم في المكتب، وخلال دقائق وقف الجميع احتراماً لوصول الفريق وكيل الوزارة!
رأيت ابتسامة نصف خبيثة ترتسم على وجه صديقي، فسألته: ما القصة؟ فرد هامساً: شفت؟ أنا مدير مكتب وكيل وزارة الداخلية، ومع هذا لا أعلم متى سيصل الوكيل، وكل هؤلاء الموظفين والمراجعين والنواب يعرفون أكثر مني موعد وصوله، بالثانية، وربما حتى موعد مغادرته! فأبديت استغرابي، ولم أفهم حقيقة ما قاله، فأضاف أن كل تحركات الوزير مخترقة، وهذا ما كنت أود أن تكون شاهداً عليه، ولك الخيار أن تكتب عنه. فهناك من يعرف متى يترك بيته، فيتصل ويخبر غيره، وهكذا يصل الخبر للنواب وغيرهم. وإن حدث تحوّل في موكبه، فسيعلم الأطراف أنفسهم بالتغيير. كما أن بعض الموظفين لا يحضرون أصلاً للوزارة إن جاءهم خبر بأن الوكيل لن يداوم في ذلك اليوم!
***
تذكرت القصة أعلاه، التي مرت سنوات عليها، وأنا أستمع إلى أشرطة صوتية لوافدين يحذّر بعضهم بعضاً، بأجهزة اتصال لاسلكية حديثة، عن تحركات دوريات الشرطة في المنطقة، وما هي اتجاهاتهم، وما يجب على المتصل بهم القيام به أو التصرف من خلال إخفاء المخالفات أو تغطيتها، وهذا يعني أن أجهزة كثيرة في الدولة ربما تكون أيضاً مخترقة، علماً بأن هؤلاء الوافدين يستخدمون أجهزة متطورة، وربما بينهم رجال أمن ومخابرات سابقون أو حاليون من دولهم!
يحدث ذلك في الوقت، الذي توجد جهات وأجهزة في الدولة، وغالباً أمنية، لا تسمح لفئات من «المواطنين» بالالتحاق بها، للشك في حقيقة انتماءات بعضهم!
***
لفت صديق نظري إلى حقيقة غابت عني، وهي أن الحكومة ربما حاولت الاستعانة بمستشفيات أميركية، ولكن لا أحد منها يحترم نفسه قَبِل الدخول في وحول التعاقد مع حكوماتنا السابقة.
نتمنى أن يكون الأمر قد تغيّر الآن إلى الأفضل.
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw