الماء والكلأ ومساكن المضف
يعتمد الراعي في رعيه على الماء والكلأ، وعندما يجف الماء وينشف الزرع يتحرك الراعي بقطيعه بحثاً عن منطقة يتوافر فيها ماء وكلأ! هكذا كان حال مختلف الشعوب طوال آلاف السنين، ثم تكونت مع الوقت المدن الحضرية، وخُلقت آلاف المهن والحرف، واستقر البشر في مكان واحد وضمن حدود معروفة، ولكن فكرة الحل والترحال ظلت باقية في أذهان البعض، خصوصاً عندما يكون الولاء للمكان، لسبب أو لآخر، ضيفاً وقابلاً للمساومة.
سياسة خذ وطالب، أو خذ ما اتخذ لأن الدولة زائلة، متبعة منذ سنوات طويلة في دول عدة، وما رأيناه من البعض خلال الغزو وما تبعه من احتلال حقير رسّخ بقوة «مفهوم الدولة المؤقتة»، واستقر في نفوس أولئك البعض، وبالتالي زادت وتيرة المطالبة بتقاسم «خيرات» الدولة، والمشاركة في أرباح التأمينات، والاستعجال في إعطاء كل مواطن فيلا، وزيادة وتيرة التساؤل عن سبب امتلاك البعض لشاليهات ومزارع، ولماذا لا يمتلكها الكل، وطبعاً هذا «خبال» وضرب من الخيال، فحتى لو استطاعت الدولة تحقيق ذلك لكل أسرة، فسيكون التساؤل الثاني بعدها عن سبب تملّك البعض يخوتاً وقصوراً ومجمعات، وليس هم؟... وهكذا!
***
تمتلك الدولة بنك الائتمان، الذي تأسس في ستينيات القرن الماضي تحت اسم بنك التسليف، ويقوم حالياً بتقديم قروض بلا فوائد لمستحقي الرعاية السكنية من المواطنين، سواء لبناء مساكن أو شرائها أو ترميمها، ويبلغ رأسمال البنك ثلاثة مليارات دينار.
كشف المدير العام للبنك، السيد صلاح المضف، قبل فترة، أن البنك بحاجة إلى 16 مليار دينار لتمويل القروض الإسكانية حتى عام 2035، وأقرّ بأن المبلغ ضخم جداً، وبالتالي يتطلب الأمر إعادة النظر في الفلسفة الإسكانية في الدولة، وتوفير حلول مستدامة، بدلاً من الاستمرار في هذا الإسراف غير المبرر، واللانهائي.
وسبق أن صرّح السيد المضف، في مقابلته مع وكالة «رويترز»، بأن الوضع القائم اليوم ليس مستقراً بالنسبة للبنك، وهناك شكوك في إمكانية استمراره في تقديم قروض بناء المساكن، بالشكل الحالي، خصوصاً على المدى البعيد، وضرورة إعادة النظر في حلول للمشكلة، وتحديداً المستدامة منها. وبيّن أن المقصود بالحديث عن إعادة النظر في الفلسفة الإسكانية يستهدف ديمومة الرعاية وتوجيهها بشكل صحيح، وأن هذه الفلسفة تقتضي أن تمنح الرعاية السكنية للفرد بحسب دخله، وهذا يتطلب تقسيم المستحقين إلى فئات محددة، فليس من الممكن ولا من المعقول حصول الجميع على مساكن متساوية في الموقع والحجم!
كما أشار إلى ضرورة إقرار قانون التمويل العقاري، الذي يسمح للبنوك التجارية بتمويل مساكن المواطنين، وقانون المطوّر العقاري، وكذلك تحرير الأراضي السكنية للسماح لشركات القطاع الخاص بدخول هذا السوق، معتبراً أن هذه الخطوات الثلاث من شأنها أن توفّر «حلاً مستداماً» للمشكلة الإسكانية.
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw