سمو الرئيس.. وإعادة اختراع العجلة

قضيت أكثر من نصف قرن، وفي أكثر من دولة ومجال، في الإدارة بمختلف أنواعها، وأتساءل أحياناً: لماذا تبدو بعض الأمور البديهية صعبة على البعض؟!
لدينا مشكلة مزمنة في الكويت تسمّى «الروتين الحكومي»، الذي تفاقم وترسّخ مع الوقت لسببين:

 1 - عدم تقدير مخاطر الروتين القاتلة، ورفض كل مقترحات الاستعانة، محلياً أو خارجياً، بمن يعرف كيفية القضاء عليه.

2 - ملاءمة تخلف الروتين لطبيعة الوضع السياسي في الدولة، واستخدامه لتأخير إنجاز معاملات المواطنين، ودفع هؤلاء إلى الطلب من نوابهم تخليصها من خلال السعي لدى الوزراء، مقابل امتناع النواب مستقبلاً عن المشاركة في «أية استجوابات» تتعلق بالوزير «السهل»!

تاريخياً، كان هذا الوضع مرحباً به ومريحاً للنائب وللمسؤول ولبعض الناخبين، ولم يخسر فيه، طوال نصف قرن على الأقل، إلا المواطن صاحب النفس الأبية، أو الذي لا يعرف أحداً يتوسّط له!
***
بعد معاناة ملايين المواطنين من سوء الإدارة، ومليارات الساعات الثمينة التي ضاعت نتيجة انتظار إنهاء البسيط والسخيف من المعاملات، مما أدى إلى ضياع عشرات مليارات الدنانير من المال العام.. هباءً، بدأت أخيراً تبدو في الأفق بوادر إصلاح إداري، أو هذا ما نتمناه!
***
بعيداً عن حقيقة الانتماء إلى هذا الوطن، قلباً وقالباً، مع التجرّد التام من كل الذكريات والمشاعر من مرحلة الطفولة والصبا إلى اليوم، يمكنني القول إنني لو خيرت بين العيش في الكويت وأية دولة خليجية أخرى لما اخترت، ولأسباب منطقية أدركها جيداً، غير الكويت وطناً، مع كامل الاحترام لبقية الدول!

وعليه، فإنني أرى أن سمو الرئيس محظوظ بتوليه رئاسة مجلس وزراء دولة الكويت، كما أننا محظوظون به، أو هكذا تبدو الأمور حتى الآن! فقد قام بإنجاز الكثير في الفترة القصيرة التي تولى فيها مهامه، محققاً ما عجز غيره عن إنجازه، والشواهد أمامنا، ونشكر سعيه وما يبذله من جهد لإنجاز المهام الملقاة على عاتقه، والقيام فوق ذلك بالتواصل الشخصي مع كبار مسؤولي الحكومة، وحثهم على فتح أبوابهم للمواطنين، وإنجاز معاملاتهم، فقد تكون هذه المبادرات جميلة، ولكن نجاحها مرهون بما لدى سموه من وقت وقدرة، هذا غير حقيقة ارتباط الأمر بشخصه، مما يعني أن «الحث» مؤقت وقابل للنسيان والإهمال المعتاد من مسؤولي الحكومة، متى ما خفّ التواصل، وبالتالي ما يحتاجه الوطن والمواطن هو جعل تطوير العمل الحكومي والقضاء على الروتين أولوية قصوى، من خلال تقليل كم الأوراق المطلوبة لكل معاملة، والتوسع السريع في إدخال الميكنة، وإنجاز المعاملات «أونلاين»، وكل هذه لا ينفع معها إصدار تعليمات شفهية للمسؤولين لتذليل عقبات معاملات المواطنين، بل يجب أن يتم التذليل من خلال أنظمة إدارية متطورة سبقتنا دول كثيرة إليها، ولا حاجة إلى إعادة اختراع العجلة!

إن تم ذلك، فستختفي أغلبية شكاوى المواطنين من الروتين الحكومي، وستقل الحاجة إلى دفع رشاوي إنهاء المعاملات، وسيتوقف إذلال المواطن أمام أبواب النواب، وسيتوقف تالياً إذلال النائب أمام أبواب الوزراء!

فيا سمو الرئيس، لا نحتاج حالياً لوطننا شيئاً أفضل من هذه الوصفة لعلاج الروتين الحكومي.. القاتل؟

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top