الشريعان.. الفارس المنقذ

تأسست في الكويت، مع بدايات الاستقلال، جمعيات تعاونية في مختلف الضواحي السكنية لتوفير السلع والخدمات لأهالي المنطقة.
على الرغم من الاعتقاد شبه السائد أنها قدمت فائدة اجتماعية واقتصادية للمجتمع، منذ تأسيس أولها عام 1962، فإنها كانت أيضاً سبباً في تخريب الكثير من النفوس ونشر الفساد في المجتمع. فمن رحمها خرج بعض أكثر السياسيين تخريباً، وكانت مجالس إدارات بعضها مصدر فساد عمّ الدولة برمتها. كما عرفنا لصوصاً كباراً سرقوا الجمعيات التي ائتمنوا عليها، وأثروا من ورائها، وأفادوا أقاربهم وشركاتهم. كما كان لأغلبيتها دور في تقوية الإسلام السياسي، ودعم أحزابه السنية والشيعية، ودعم مرشحيهم مادياً ومعنوياً، إضافة لتأثيرها السلبي على التركيبة السكانية!
 
كما ساهم الفساد، المالي والإداري في أغلبيتها في تدهور الخدمة وارتفاع أسعار الكثير من السلع والخدمات، وهذا أفاد أسواق بيع الجملة والسوبرماركات، التي تتزايد مبيعاتها سنة بعد أخرى، على حساب الجمعيات، وتزدهر أعمالها باطراد، على الرغم من عدم تمتع أي منها بالمزايا الضخمة التي تتمتع بها الجمعيات من مبانٍ كبيرة مجانية وأرض من دون مقابل، ومواقف سيارات شاسعة، ومع هذا لا تحقق أغلبيتها إلا اليسير من الأرباح، وأعلنت بعضها إفلاسها.

ولو قام الأخ الفاضل وزير الشؤون، الذي أبدى مؤخراً تميزاً واضحاً في التصدي لفساد وخراب الكثير من الجمعيات، بلقاء وفد من كبار الموردين للجمعيات، لسمع منهم الكثير مما يتعرّضون له من سوء استغلال وابتزاز، والوسائل الرخيصة التي يلجأون إليها لحلب التجار وإجبارهم على شراء أرفف في الجمعيات، والتعسف في طلب بضائع مجانية، وطلب رشاوى نقدية قبل قبول بضاعتهم، وغير ذلك من المصاعب والمعاناة اليومية معها، وحيث إن التاجر تاجر ولم يفتح شركته ليخسر، فإنه يقوم عادة بإضافة تكلفة كل فساد على بضاعته أو الخدمات التي يقدمها للجمعية، فترتفع الأسعار بشكل غير معقول، والسبب ليس التاجر، في الغالب، بل الفساد في هذه الجمعيات، فمنذ أكثر من نصف قرن ونحن نسمع العجب، وسبق أن تطرقت في عشرات المقالات لهذه المشاكل، أو حالات النصب العلنية، ولكن «مافيات» الجمعيات كانت دائماً توئد محاولات الإصلاح في مهدها، ليستمر الاستغلال لأطول فترة ممكنة، ويبدو أننا، في العهد الإصلاحي الجديد، على وشك الدخول في مرحلة غربلة جدية للوضع الخرب في هذه الجمعيات، التي كان الهدف من إنشائها خدمة المواطن، فأصبحت عكس ذلك، فلا جمعية تعاونية تقريباً سلمت من فضيحة مالية أو أكثر، ولم يكن بيد «الشؤون» غير حل مجالس إدارات الجمعيات الفاسدة، وتعيين مجالس مؤقتة، ليستمر الفساد معها، والتحضير لانتخابات مجلس إدارة جديد، ليقع المجلس الجديد بدوره في براثن الفساد ثانية وثالثة وعاشرة، والسبب يعود إلى «عناصر الفساد» في صلب الجمعيات، التي تزين لكل مجلس إدارة جديد، منتخباً أو معيناً، كيفية الاستفادة والتربح من الوضع الخرب!
***
نتمنى على الوزير الشهم، فهد الشريعان، الاستمرار في إصلاحاته، وإنقاذ المساهمين في عشرات الجمعيات التعاونية من شرور مجالس إداراتها، وتغليظ العقوبات على الفاسدين منها.

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top