رؤى عبداللطيف الثنيان وأحلامه

ورد على لسان عبداللطيف ثنيان الغانم، ومن واقع مضابط المجلس التأسيسي، عندما كان يترأسه، قبل أكثر من 60 عاماً، النص التالي:
العدد الكبير (من الأعضاء) ضروري جداً لوضع الكويت، لأن وضعنا لا يزال عشائرياً. فعالم العشائر لا ينتخب إلا أبناء العشيرة، مهما كانت كفاءتهم، ومهما كانت كفاءة المرشح المنافس لابن العشيرة، وهذا الوضع يؤدي إلى أن يأتي إلى المجلس عدد كبير من أصحاب الكفاءات القليلة، بينما يسقط أصحاب الكفاءات الكبيرة. وبزيادة عدد أعضاء المجلس نكون قد ضاعفنا من احتمال زيادة أصحاب الكفاءات الجيدة وأعطيناهم فرصة أكبر للوصول إلى عضوية المجلس وتحمل جانب من العمل فيه!
***
كانت للغانم نظرة مستقبلية، كما كانت للبعض الآخر، لكنه امتلك الشجاعة ليجاهر برأيه، فقد رأى العوار الديموقراطي منذ اليوم الأول، وكان من الممكن جداً التغلب على الوضع القبلي (والطائفي بالتبعية) من خلال صهر مكونات المجتمع، لو استمرت الحكومات المتعاقبة في سياساتها الحكيمة المتعلقة بالدمج، والتوجيه نحو الولاء للوطن وليس للعرق أو القبيلة أو الطائفة أو العائلة. وكانت في فترة ما تمتلك الأدوات، وسعت لاستخدامها لفترة ثم تخلت عنها، بإدراك أو بغيره، فأصبحنا في الوضع الذي نحن فيه.

فمع بداية الاستقلال، وضمن سياسات مشاركة المواطنين كافة في التمتع بثروات الدولة، تم توزيع أراضٍ وبيوت جاهزة، بالقرعة غالباً، على المواطنين. وكانت تلك بداية دمج مختلف فئات المجتمع ضمن الحي أو الشارع الواحد. ولكن نتيجة لضغوط انتخابية، جرى التخلي عن تلك السياسات، وسمح للمواطنين باستبدال بيوتهم الحكومية بغيرها، فحدث ما يشبه «التنظيف العرقي» ethnic cleansing بحيث تحولت مناطق سكنية كاملة لسكن فئة واحدة من السكان، لهم فيها ثقل طائفي أو قبلي، على حساب الوحدة الوطنية!

كما أصبح أمراً مقبولاً رفض موظفي الحكومة من سكان المدن القريبة من العاصمة العمل في المناطق شبه النائية، والنائية هنا لا يزيد بعدها على 60 أو 70 كلم، ولأسباب معروفة.

وعلى الرغم من أن باب تجنيس السكان، خصوصاً للفئة الأولى الأصلية، قد أغلق رسمياً، بعد الانتهاء من تجنيس الجميع، عادت الحكومة في فترة لاحقة ومنحت جنسية الدولة، من الفئة الأولى، أو بالتأسيس، لأعداد ضخمة، في حركة قريبة من العشوائية، وساهم ذلك في دخول عناصر لا تعرف الولاء لغير مصالحها الشخصية! فتجذرت أكثر مخاوف عبداللطيف الثنيان بدلاً من أن تتلاشى وتضمحل مع تقدم الدولة نحو المدنية!

كما سمحت الحكومة لنفسها بتلبية مطالب رؤساء مختلف الفئات، ولم تعترض حتى على استخدام بعضهم تسمية «أمير»، وهذا دفع أتباعهم إلى التكتل والالتفاف أكثر من حولهم!

كل هذه الأمور وغيرها ساهمت في تشظي المجتمع أكثر وتشرذمه، بحيث أصبح ولاء الكثيرين للدينار، من خلال الطبقية أو القبلية، وليس للوطن الذي نستظل جميعاً بدستوره، العقد الاجتماعي الذي ارتضينا به، والذي لا تعرف فئة كبيرة بوجوده أصلاً، وجاءت «وثيقة القيم»، وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لتبين بوضوح كيف انقسم المجتمع إلى شطرين، ولا يُعرف لمن ستكون الغلبة في النهاية، علماً بأن عدد من أيد الوثيقة من المناطق الخارجية بلغ 37 مرشحاً، بينما عدد من أيدها من المناطق الداخلية لم يتجاوز 11 مرشحاً، ومن المنتمين للأحزاب الدينية.

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top