مدرسة التعذيب والتنكيل
عندما قتل «الثوار» الليبيون «معمرهم» بتلك الطريقة البشعة، وصف البعض تصرفهم بالهمجية، وتناسوا أن أعمار قتلته لم تتجاوز الخمسين بكثير، وبالتالي كانوا أولاد نظام القذافي، وثورته الخضراء ونتاج مناهجه الدراسية ووسائل اعلامه القوية، فغالبية هؤلاء لم يولدوا عندما قام القذافي بانقلابه في 1969 أو كانوا اطفالا صغارا، وبالتالي حصد القذافي ما زرع!
نقول ذلك تعليقا على ما يحدث في سوريا الآن، فالجميع، بما في ذلك النظام، متوجس من وصول الاسلاميين للحكم، وما سيقومون به من قتل وتنكيل باعدائهم، العلويين والبعثيين، وحتى من الشيعة والمسيحيين، وهذا ما هو الا نتاج طبيعي لحكم مخابراتي وعسكري دام أربعة عقود، ولم يكن أمام الناس بالتالي من متنفس غير المسجد! فقد حرموا من التجمعات وانشاء الجمعيات والاشتغال بالسياسة، والصحافة الحرة، ومنعوا من تكوين أحزاب سياسية حقيقية، وخنق النظام كل متنفس وأصبح نظام المخابرات يعد أنفاس الشعب، ولا يرحم حتى من يشك بأمره، وكل ذلك في غياب تام لأي شكل من النظام القضائي أو القانوني السليم، مع فتح الأبواب على مصاريعها للفساد المالي والاداري لحاشية القيادة وقراباتها العائلية يعيثون في الأرض فسادا، ولم يكن أمام الغالبية غير حضن الأحزاب الدينية لترتمي فيه، وهي ما كانت لتختار ذلك لو كان لديها متنفس «ديموقراطي» وصحافة حرة.
يقول صديق سوري، في معرض تبريره لما يحدث في سوريا، بأن المسألة تشبه الخلاف على البيضة أم الدجاجة، أي أن نظام الأسد الأب، ومن بعده ابنه، لم يكونا ليلجآنا لمثل هذه الأساليب القمعية والأجهزة المخابراتية لو لم يكن هناك خطر حقيقي من وصول المتشددين الاسلاميين للحكم، والعكس صحيح، ولكن ان صح ذلك في عهد الرئيس الأسد، الأب، العسكري المتشدد، والذي رسخ حكمه وحكم اسرته بالبطش، والذي ربما لم يعرف لغة غيره، والذي نجح في تحييد القوى الاسلامية والقضاء شبه التام على أكبر معاقلها، فما هو عذر الرئيس بشار، نتاج الثقافة الغربية، والطبيب البشري، الذي تلقى تعليمه في الغرب، وشاهد وعايش مزايا الديموقراطية؟ ألم يكن بمقدوره، خلال سنوات حكمه التي قاربت العشر، من اتباع سياسة أكثر ديموقراطية وانفتاحا؟ وأخيرا أليس ما اصبح يفعله، أو سيفعله أعداء النظام بمن يقع بين ايديهم من ابناء النظام من تشويه وتنكيل هو النتاج الطبيعي لسنوات قاربت الأربعين في ممارسة القتل والتنكيل وترسيخهما وجعلهما امرا عاديا؟
لا أزال أعتقد ان أمام الرئيس الاسد فرصة، ولو ضئيلة، في أن يفعل شيئا ينقذ فيه نفسه واسرته وطائفته، وقبل كل ذلك وطنه، من كارثة محققة.