نقاط طنوس السبع
مقال نشر قبل ربع قرن تقريباً، رأيت العودة اليه بمناسبة ترسيم الحدود البحرية الإسرائيلية ــ اللبنانية، التي دقت إسفيناً آخر في نعش منتظري المقاومة!
أنا «أدمون طنوس» فلسطيني، لكني لست بمواطن، فلا وطن لي. قضيت حياتي في مدينة البيرة بالضفة، ولم أغادرها. عشت النكبة وعاصرت الاضطرابات والقتل والتشريد، وذقت كل صنوف الذل، بالرغم من وضعي المالي المريح، وكان العذاب النفسي والعقلي رفيقي، وكل ذلك لأنني ولدت فلسطينياً، وأحببت أن أبقى قريباً من الأرض التي ولدت عليها، وبين عائلتي وبياراتي، التي أشم فيها أنفاس أبي وعرق جدي، وضمت رفات أهلي.
دعوني أحدد بعض المسلّمات:
1 ــ ليس هناك من بإمكانه انتزاع حقي في أن يكون لي يوماً وطن!
2 ــ هذا الحق لا يمكن أن يظهر للوجود بالسرعة المناسبة طالما كانت البندقية الفلسطينية تنتقل من كتف لآخر، وطالما تقاسم «الأبوات»، وتقاتلوا على من له الحق في التحدث نيابة عني.
3 ــ لا يمكن لأي طرف أن ينكر عليّ، أنا المسيحي ابن الناصرة ويافا وحيفا وبيت لحم، فلسطينيتي، أو يقلل من تضحياتي.
4 ــ صراعي مع إسرائيل ثقافي وجغرافي وسياسي، ويجب أن يستمر هكذا، ويجب ألا يختزل بكونه دينياً، وما يعنيه من فناء طرف منه، وهذا ما لا يمكن السماح بحدوثه، إنسانيا وسياسياً، على الأقل في المدى المنظور.
5 ــ طلب العون من الدول العربية عبث لا طائل منه، فهي أعجز من أن تساعد نفسها، فما تواجهه كل منها، يجعلها أعجز من أن تفعل غير فتح الحناجر ورفع القنادر.
فكما كنت مرافقاً للمسيح يوم ولد، ويوم صلب ويوم بعث، فإنني سأبقى ابن هذا الوطن الذي على ترابه سار المصلوب ومئات غيره من العمالقة الأفذاذ.
6 ــ يجب الفصل بشكل تام بين حماس، كحركة دينية عسكرية تؤمن بفناء دولة إسرائيل، وبقية ممثلي القضية، الذين يطالبون بحق العودة وحق التعويض، وحق تقرير المصير والحق في وطن حر مستقل، وأيضاً.. حق إسرائيل في الوجود.
7 ــ ليس من السهل إقناع أي عاقل بالتنازل عن حريته في الحركة والقول والتصرف والتفكير مقابل كومة حجر أو جواز أو أرض، فالوطن لا يساوي شيئاً في ظل القمع والظلم والقهر. ومن العبث القبول بأن يُستبدل بقمع إسرائيل العسكري قمع ديني إسلامي متشدد متوقع في حال سيطرت «حماس» على القرار الفلسطيني! فمنطلقات حماس في رفض إسرائيل لا تختلف كثيراً عن منطلقاتها في رفضي، أنا المسيحي وغيري من اليساريين وحتى المسلمين غير المتدينين! وبالتالي لا يمكن أن نصبح مواطنين كاملي الحقوق تحت حكم حماس أو غيرها من الحركات الدينية المتطرفة.
وعليه، أنا الفلسطيني المسيحي، وواحد من شريحة كبيرة من الشعب الفلسطيني، التي تتضمن مختلف الأطياف الدينية والعقائدية السياسية، أرفض توجهات حماس وتطلعاتها بقدر ما أرفضُ وحشية إسرائيل وأفعالها، وما سينال الفلسطينيين من أذى وقمع وهوان، لو انتصرت حماس وحكمت وتحكمت في رقابنا، لن يقل، باعتقادي، عما ينالنا الآن، في ظل الاحتلال الإسرائيلي من قمع وهوان، إن لم يكن أكثر.
ومن هذا المنطلق أجزم بأن ما يحدث في غزة، لا يمكن أن يقبله صاحب الضمير الحي، لكن الأمر قد يكون على خلاف ذلك عند التابعين والمؤمنين بأيديولوجية حماس الدينية. من هذا المنطلق يمكن القول إن قادة حماس لم ولن تثنيهم مصائب غزة وقتلاها وجرحاها والخسائر المادية الهائلة، عن السعي لتنفيذ خططهم إلى النهاية الدموية المتوقعة، فباعتقاد أولئك القادة أن الجنة مآل القتلى، وأن النصر آتٍ لا ريب فيه، ولو نتج عنه فناء نصف الفلسطينيين.
أكتب وأنا أعرف بأني لست منظِّراً، فما أنا إلا فلسطيني عادي لا يريد غير وطن مع كرامة وانتماء مع أمن وهوية ومستقبل لأبنائي، ولا شيء غير ذلك!
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw