الحنفية الحكومية
تعود تسمية المصريين لصنبور الماء بـ«الحنفية» إلى عام 1884، عندما قرّر ممثلو الاستعمار الإنكليزي، كعادتهم، تعميم نقل واستخدام المياه بالأنابيب والصنابير، خاصة في المساجد، بدلاً من استخدام «الطاسة» المعتادة! لقي التغيير، وكالعادة أيضاً، معارضة من رجال الدين، الشافعية والمالكية والحنبلية، واعتبروه بدعة، لكن خالفهم في ذلك رجال المذهب الحنفي، وأجازوا الاستخدام، فأطلق العامة اسم المذهب على الصنبور، وأصبح يعرف بالحنفية.
***
وضع حنفية الصرف في مجلس الأمة، ووضع صنبور الحكومة، الذي أصبح مفتوحاً لمطالبات النواب الشعبوية، موضوع خطير، ويتطلب الأمر الرجوع له مراراً، فأعداد الطامعين في مدخرات الدولة، سواء الكافرون بديمومتها، أو الغافلون عن سوء مستقبلها، من جماعة «اليوم خمر»، تتزايد كل يوم، وتزداد شهيتهم مع كل قانون يصدره المجلس بموافقة الحكومة للصرف على زيادة الرواتب أو زيادة الدعومات، أو منح مكافآت الصفوف الأمامية، أو سداد فوائد قروض المواطنين، أو شراء إجازاتهم، أو زيادة مكافآت الطلبة، وزيادة المعونات الاجتماعية، ورواتب ربات البيوت، وتوزيع فوائد التأمينات على المتقاعدين، وكل هؤلاء لا يلامون، فوزير مالية الدولة، والمسؤول عن اقتصادها، قالها لهم، وكأنه أب يخاطب أبناءه البررة، «الخير وايد»، أو كثير، وعليهم أن يبشروا بما سيتم توزيعه أو فسفسته.. عليهم!
إن الأب الصالح، يا معالي الوزير المحترم، عليه واجب الحفاظ على ثروات أسرته، وتنميتها للقادم من الأيام، وليس تشجيعهم على الصرف، كما عليه عدم وضع الكثير من النقد بأيديهم، لما يتضمنه ذلك من حثّ على الإسراف غير المحمود، مع احتمال توجيه ذلك النقد الزائد في الأيدي لشراء القاتل من السموم.
لستُ، ولا من يشاركني الرأي، ضد شعور المواطن بالرفاهية، ولكن أية زيادة في الرواتب أو المكافآت يجب أن تسبقها دراسة جادة تبيّن نسب غلاء المعيشة ونسب التضخم، وليس اتخاذ القرارات بطريقة عشوائية، لأن أبناءنا وبناتنا «يستاهلون»!
فإذا كان التعاون بين الحكومة ومجلس الأمة أمراً محموداً ومطلوباً، ويستحق الدعم والتشجيع من جميع أطياف المجتمع، فمن الواجب أن يستهدف بالدرجة الأولى تبنِّي القضايا التي تضمن استمرار العيش الكريم للمواطن، لا السير باتجاه البحث عن قرارات شعبوية تؤدي إلى تعميق اختلالات الاقتصاد، ويجري تمريرها على حساب استدامة اقتصاد البلد وإصلاحه.
لقد رأينا جملة من القرارات الشعبوية، بدأت بتأجيل أقساط القروض، ويبدو أنها لن تنتهي مع التوافق على بيع الإجازات سنوياً، ناهيك عن كثرة المطالبات العشوائية والفريدة من نوعها في العالم، مثل فكرة إسقاط القروض الكارثية وغيرها، لتحقيق مكاسب ضيقة النطاق على حساب اقتصاد الوطن ومستقبل أجياله.
نريد من نوابنا الصدق مع أنفسهم، قبل الصدق معنا، والتزام ما كرروه مراراً من أنهم ضد الهدر وحماة المال العام، كما يجب عليهم العمل على خلق الموظف المنتج، وليس الموظف الذي يقبض راتبه ويجلس في بيته أو على المقهى من دون عمل، وهذا هو عين الفساد الإداري والتسيّب والغياب المستمر، ثم بيع الإجازة في نهاية السنة.
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw