قطر.. والرهان السعودي
لا أعتقد أن هناك، على الأقل في محيطي، اثنين يتفقان في مواقفهما فيما يجري في مباريات كأس العالم لكرة القدم، في قطر، فلكل وجهة نظره إزاء هذه التجربة العالمية غير المسبوقة في منطقتنا، وكل هذا الزخم والإثارة والغيرة والحسد التي صاحبت إقامة المباريات في دولة عربية، وخليجية بالذات، فمنذ 1930 كانت كل المباريات تقام إما في دولة أوروبية أو أميركية جنوبية، بخلاف ثلاث، الأولى في الولايات المتحدة، والثانية في جوهانسبرغ، والثالثة في اليابان.
***
بصرف النظر عن كل اللغط الذي صاحب تأهيل قطر لإقامة المباريات على أرضها، إلا أنها اثبتت، خاصة للمشعوذين لدينا، من أصحاب الأحلام الخرطي، خطأ توقعاتهم، وانها بحجم التحدي!
***
أعرف لعبة الكرة، وكنت أحد أفضل لاعبيها طوال سني الدراسة، ولكني توقفت عن التعلق بها مع توقف مشاهدتي للتلفزيون، بشكل عام!
أصبحت هذه اللعبة، مع الوقت، لعبة جماهيرية عظيمة يباع فيها اللاعب، من ناد لآخر، بعشرات ملايين الدولارات، وتباع أنديتها بالمليارات، ولبعضها عشاق يتجاوز عددهم مئات الملايين، يدر شغفهم مئات مليارات الدولارات عليها!
لم تحظ دورة بكل هذا الكم من المدح والقدح كما حصل مع هذه الدورة، التي سيخلد التاريخ الكثير من أحداثها، غير المسبوقة، وستعتبر درسا يمكن تعلم الكثير منه. ففوز السعودية على الأرجنتين ما كان من الممكن أن يتحقق لولا التغير الأخير الشامل الذي شهدته السعودية في السنوات القليلة الماضية، والتي أثبتت للمرة المليون أن لا نجاح بغير حرية، والصين مثال آخر على ما نتج عن الحرية من إبداع وتقدم، وكيف أننا لم نتأخر عن المكانة العالية التي سبق أن حققناها، إلا بعد أن سلمنا أمورنا لأحزاب التخلف والتشدد والظلام!
***
لقد حققت قطر الكثير، وأيضا من خلال انفتاحها على العالم، ولكن ربما تحوّلت مناسبة رياضية لساحة جدال ديني ، بالسماح لعدد من الدعاة، الذين سبق أن دار لغط كبير حول سيرتهم وتصرفاتهم، للتدخل بالمناسبة والفكرة من وراء مباريات رياضية، وجعلها، خاصة بعد فوز السعودية على الارجنتين، حربا على الصليبية وأعوانها، وتسليط أضواء شديدة الإبهار على نجاح هؤلاء في تحويل بعض من الجمهور للإسلام، وكأننا بحاجة لمسلمين أكثر، وليس لرفع مستوى المسلم الحالي!
لا أختلف مع قرار قطر المتعلق بمنع حمل أو اظهار أي شيء يشير إلى المثليين، سواء كعلم أو شارة أو ربطة يد، مع كل إيماني بمبادئ الحرية. فمن حق الدولة المضيفة فرض قوانينها، وعلى الضيوف التقيد بها، أو رفض الحضور والمشاركة، وهذا ما سبقتها إليه دول مضيفة أخرى، وفي أكثر من مناسبة دولية. ولم يكن من المفترض، بالقدر نفسه، فرض آرائنا ومعتقداتنا على الغير، والتدخل في أفكار وعقائد الآخرين، وبيان ضعفها، ودعوتهم للدخول للإسلام!
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw